• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. واجب عبادي

أسرة البلاغ

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. واجب عبادي
◄(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران/ 107). "المعروف اسم لكل فعل يعرف بالعقل أو الشرع حسنه، والمنكر ما ينكر بهما"[1]. شرع الإسلام واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واعتبره عبادة من أجلَّ عبادات الإسلام وأقدمها لأنّه السياج الواقعي لكلِّ العبادات والقوانين والأخلاق والمبادئ والقيم في المجتمع الإسلامي وبذلك صار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجباً عبادياً لأنّه عمل يستهدف حماية الشريعة والالتزام بها لإصلاح الإنسان وتعبيده لله وحده، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو مهمة الأنبياء ومسؤولية الرسل.. كلّفوا بها لإصلاح البشرية ووضعها على جادةِ الصواب.. لذا كان القيام بها مواصلة لمسيرة الأنبياء، وامتداداً لمهمتهم في الحياة. فعن طريق هذه العملية – عملية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – تتم عملية تبليغ الرسالة لمن يجهلها، وعن طريقها تتم هداية الضّال، ويرشد الإنسان إلى فعل الخير، وتتم مكافحة الشر والفساد، وعن طريقها تنمو روح اليقظة والتحرك ضدّ الظلم والجور والاستعباد.. ولما كان الهدف من تشريع هذه المسؤولية العبادية هو استئصال الشر والفساد وتغيير الفرد والمجتمع وتنمية حركة الخير والإصلاح فيه، انحصرت غاية التشريع بتحقيق أهداف هذه الفريضة ذاتها... لذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجباً كفائياً. والواجب الكفائي.. هو الواجب الذي يكلف مجموع المسلمين المكلفين بالقيام به ابتداء وعلى وجه العموم.. وتكون مسؤولية تحقيقه والنهوض به مسؤولية جماعية وعامة. فإذا قام بعض أفراد الأُمّة وحققوا أهدافه كاملة سقط التكليف ورفعت المسؤولية عن الآخرين. أما إذا لم يستجب أحد من مجموع أفراد الأُمّة.. ولم ينهض بهذه المهمة والمسؤولية أحد فإنّ الجميع يكونون مسؤولين ومحاسبين ومأثومين على ترك المسؤولية وعدم القيام والنهوض بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتحقيق أهدافه كاملة في حياة البشرية. وإذن فهو الواجب الذي إذا أقامه البعض سقط عن الباقين. فقد ورد في الحديث الشريف عن الإمام الحسن بن عليّ العسكري عن آبائه عن جدهم النبيّ محمد (ص) "لقد أوحى الله إلى جبرئيل وأمره أن يخسف ببلد يشتمل على الكفار والفجار، فقال جبرئيل يا رب أخسف بهم إلّا فلان الزاهد ليعرف ماذا يأمره الله فيه، فقال: إخسف بفلان قبلهم، فسأل ربه فقال: يا رب عرفني لم ذلك وهو زاهد عادبد، قال: مكنت له واقدرته فهو لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر، وكان يتوفر على حبهم في غضبي فقالوا: يا رسول الله فكيف بنا ونحن لا نقدر على إنكار ما نشاهده من منكر؟ فقال رسول الله (ص) لتأمرُنَّ بالمعروف ولتنهُنَّ عن المنكر، أو ليعمنكم عذاب الله، ثمّ قال من رأى منكم منكراً فلينكر بيده إن إستطاع، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه فحسبه أن يعلم الله من قلبه انّه لذلك كاره"[2]. ووصف الإمام علي (ع) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال: (اعتبروا أيّها الناس بما وعظ الله به أولياءه من سوء ثنائه على الأحبار، إذ يقول، "لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الأثم" وقال "لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون. كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون". وانما عاب الله ذلك عليهم لأنّهم كانوا يرون من الظَلَمة المنكر والفساد فلا ينهونهم عن ذلك رغبة فيما كانوا ينالون منهم، ورهبة مما يحذرون، والله يقول: (فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ) (المائدة/ 44). وقال: "المؤمنون بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهو عن المنكر" فبدأ الله سبحانه بالأمر بالعروف والنهي عن المنكر فريضة منه لعلمه بأنها إذا أديت واقيمت استقامت الفرائض كلها هينها وصعبها، وذلك انّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دعاء إلى الإسلام مع رد المظالم، ومخالفة الظالم، وقسمة الفيئ والغنائم، وأخذ الصدقات من مواضعها ووضعها في حقها"[3]. وتحدّث الإمام محمد الباقر (ع) عن هذه الفريضة المقدسة في الإسلام فقال: "يكون في آخر الزمان قوم يتّبع قوم مراؤون "إلى أن قال": ولو أضرَّت الصلاة بسائر ما يعملون بأموالهم وأبدانهم لرفضوها كما رفضوا أسمى الفرائض وأشرفها، انّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة عظيمة بها تقام الفرائض، هنالك يتم غضب الله عزّ وجلّ عليهم فيعمهم بعقابه فيهلك الأبرار في دار الأشرار، والصغار في دار الكبار، انّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الأنبياء ومنهاج الصلحاء، فريضة عظيمة بها تقام الفرائض وتأمن المذاهب وتحل المكاسب وترد المظالم وتعمر الأرض وينتصف من الأعداء، ويستقيم الأمر"[4]. وهكذا تتضح لنا أهمية هذه الفريضة العبادية وتأكيد وجوبها وحرص الشريعة الإسلامية على تنفيذها والالتزام بها... لأنّها الأداة الرسالية الفعالة التي تستعين بها الرسالة الإسلامية في بناء الفرد والمجتمع، وأنّها الوسيلة القانونية والتوجيهية التي تحرس المجتمع الإسلامي وتحصنه ضد وسائل الهدم والتخريب. وتتأكد لنا أهمية هذه الفريضة في الوقت الحاضر عندما نجري دراسة تحليلية لأوضاع أمتنا الإسلامية وأسباب ومظاهر السقوط فيها.. ومنشأ وتاريخ كلّ ظاهرة انحرافية فيها. فلو أننا كنا نمارس هذه المسؤولية ونتكاتف من أجل أدائها لما إستفحل الفساد والانحراف.. ولأمكن اقتلاع جذوره من أول لحظة ولدت فيه البذرة الخبيثة في أرضنا المقدسة. ولكن تهاوننا في أداء هذه الفريضة وتأخرنا عن ممارسة هذه المسؤولية الكبرى ضيّع فرصاً كثيرة للإصلاح والبناء وفسح المجال واسعاً لميلاد ونمو وانتشار الفساد والانحراف وطغيانه إلى درجة ضاعت معها معالم الحياة الإسلامية وطمست آثارها.. فاصبح التغيير والإصلاح أمراً شاقاً. ومهمة عسيرة بعد أن صار الانحراف والفساد أمراً واقعاً تربّت الأجيال عليه وألف المجتمع وجوده.. بحيث أصبحت الغرابة في عملية التغيير والإصلاح لا في وجود الفساد وانتشاره.. والتساؤل يثار حول من يدعو إلى هدم الفساد والانحراف.. والمعارضة تتركز ضده بعد أن أصبح لهذه الأوضاع الاجتماعية الشاذة عن الإسلام أحزاب وأنظمة ودول تحميها وتدافع عنها. وبعد أن فُرض وجودها على الأُمّة الإسلامية ليألف المجتمع تلك الأوضاع الشاذة ويتقبلها خطوة فخطوة ومرحلة فمرحلة فيجد نفسه مخدَّراً، واقعاً تحت تأثير هذه الصيغة الاجتماعية والحضارية التي تشكل محيط الحياة من حوله.. ولكن يجب أن لا ننسى أن انتشار الفساد وتسلط قوى البغي والجور وسكوت الغالبية العظمى من أبناء المسلمين لا يعني موت ضمير الأُمّة المسلمة... وخمود الوعي وانغلاق أبواب التأثير والتغيير.. فكلّ من يحاول دراسة الوضع النفسي والسياسي والفكري للأُمّة الإسلامية الآن يشاهد عوامل السخط والتذمر ويسمع أصوات الرفض والاحتجاج ويلاحظ حركات التغيير والإصلاح التي تنادي بالعودة إلى الإسلام وبناء الحياة والحضارة الإنسانية على أساس منهاج الإسلام وشريعته. وعلى الرغم من أنّ محاولات عديدة وجهود مكثفة يبذلها أعداء الإسلام من أجل امتصاص روح الوعي وتطويق منابع النور باستحداث وابتداع مبادئ ونظريات لتحل بديلاً عن الإسلام إلّا أنّ هذه المحاولات لم يكتب لها النجاح ولن تستطيع أن تملأ الفراغ النفسي والفكري والتشريعي الذي يحس به المسلمون ولا تقوى على إصلاح وتغيير الأوضاع الاجتماعية المتردية التي يعانونها.. لأنّها هي بطبيعتها لا تحمل روح الإصلاح ولا تستهدف ذلك.. بل خططت وصيغت خصيصاً لعالمنا الإسلامي وهي تستهدف إعاقة عملية تقدم الأُمّة الإسلامية وهدم البناء العقائدي والحضاري للمسلمين.►
[1]- الراغب الاصفهاني، معجم مفردات القرآن، مادة: عرف. [2]- الحر العاملي، الوسائل، ج6، ص407، ط2. [3]- المصدر السابق، ص402. [4]- المصدر السابق، 394.

ارسال التعليق

Top