1- الإحسان إلى (الأجير) في القرآن الكريم: أ. دفع الأجر للعامل أو الأجير حالما يفرغ من عمله، فلكلِّ عملٍ أو جهدٍ أو خدمةٍ أجر: قال تعالى: (قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا) (القصص/ 25). وقد طالبَ السحرةُ فرعونَ بالأجر إذا غلبوا بسحرهم موسى (ع): قال تعالى: (قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لأجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ) (الشعراء/ 41). وقال تبارك وتعالى في مكافأة المرأة على إمتاعها الرجل: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا) (النساء/ 24). وقال سبحانه في مكافأتها على رضاعتها لولده: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) (الطلاق/ 6). وطالب موسى (ع) العبد الصالح (الخضر (ع)) باستيفاء الأجر مقابل ترميم الجدار الذي كان يُريد أن يسقط، فقال تعالى: (قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا) (الكهف/ 77). وقال تعالى على لسان القوم الذين كانوا مهدّدين من قِبَل (يأجون ومأجوج)لذي القرنين الذين طلبوا منه أن يبني لهم سدّاً يُنجيهم من الهجمات المُتكرِّرة عليهم: (فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا) (الكهف/ 94). ب. التخفيف على الأجير وعدم إثقال كاهله بالأعباء، أي الرِّفق واللّطف به: قال تعالى على لسان شعيب (ع)، مخاطباً موسى (ع) بتوظيفه في خدمته: (قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) (القصص/ 27). ت. إعطاء الأجير أجره كاملاً غير منقوص بحسب الإتِّفاق أو التّعاقد معه: قال جلّ جلاله: (وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ) (آل عمران/ 57). ث. إعطاء الأجير أجراً أكثر من المُتّفق عليه ليطيب خاطره: قال عزّ وجلّ: (وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (آل عمران/ 179). وعبّر تعالى عن الأجر المُضاعف في آيات أخرى بـ(الأجر الكبير) و(الأجر الكريم) و(الأجر غير الممنون) غير المقطوع، و(الأجر الحسن) و(الأجر مرّتين): قال سبحانه: (وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا) (النساء/ 40). 2- الإحسان إلى (الأجير) في الأحاديث والرّوايات: أ. ضرورة تحديد أجره سلفاً، أي لابدّ أن يكون على معرفة كم هي أجرته من قبل أن يُباشر عمله: قال الإمام علي (ع): "نهى رسول الله (ص) أن يُستعمل أجير حتّى يُعلَمْ ما أجرتُه". وقال (ع): "مَن أيقن بالخُلف جادَ العطيّة". وقال الإمام الرضا (ع): "إعلم أنّه ما مِنْ أحدٍ يعمل لكَ شيئاً بغير مقاطعة (تحديد الأجرة)، ثمّ زدته لذلك الشيء ثلاثة أضعاف على أجرته إلا ظنّ أنك نقصته أجرته، وإذا قاطعته، ثمّ أعطيته أجرته، حمدكَ على الوفاء، فإن زدته عرفَ ذلك، ورأى أنّكَ قد زدته"!! ب. إعطاء الأجيره أجره قبل أن يجفّ عرقه، أي حال الفراغ من عمله بلا تسويف ولا تأخير: قال رسول الله (ص): "اعطوا الأجير أجره قبل أن يجفّ عرقه، وأعلمه أجره وهو في عمله". 3- الإحسان إلى (الأجير) في الأدب: تقول الشاعرة (ندرة حدّاد): وإذا أخفقتَ سَعياً لا تقل دهرٌ أساءْ كلنا في العمر يلقى حسبَ الفعلِ الجزاء وفي الحِكَم: "لكلِّ عملٍ ثواب". وقال (أبو العتاهية): وموعدُ كلِّ ذي عملٍ وسعيٍ بما أسدى غداً دارُ الثّوابِ ويقول (ابن عباس): "لكلِ عملٍ حساب، للحسن منه ثواب، وللسيِّئ عقاب". وفي الأمثال العربية: "الأجْرُ على قدرِ المشقّة". وقال العالم (باستور): "ليس المهمّ أن نُكافأ على أعمالنا في الحياة، وإنّما المُهمّ أن نستطيع القول عندما نترك الحياة: لقد عملنا ما استطعنا عمله لخدمة الإنسانية". وهذا هو الأجر المعنوي الذي أشارت إليه الرسالات: (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا) (الأنعام/ 90)، فبعض الأعمل لا يجازيها ولا يكافؤها إلا العطاء الأخرويّ. - برنامج الإحسان إلى (الأجير): 1- إنّ الأجرة المادية وحدها ليست كافية لرفع عناء الأجير الذي أجهدَ نفسه ليُقدِّم خدمته، ولذلك كانت كلمات الشكر والثناء وتطييب الخاطر، والإبتسامة الحانية، وامتداح العمل، والدعاء للعامل، بمثابة الأجر الرمزي أو المعنوي الذي قد يكون له وقع أكبر من الإحسان المادِّيّ. لقي النبي (ص) واحداً من أصحابه، ولم يكد يُصافحه حتى وجد في كفِّه خشونة غير مألوفة، فسأله: "ما بالُ كفّيكَ قد أمجلتا؟"! فأجابه الصحابي: من أثر العمل يا رسول الله! فرفعَ رسول الله (ص) كفّيه على ملأٍ من أصحابه، ثمّ قبّلهما، ولوّح بهما كأنّهما راية، وقال مُباهياً بهما، ومُطرياً لهما: "كفّان يحبّهما اللهُ ورسوله"! 2- صحيح أنّ الأجير مسخّر لخدمة مُستأجره، وعليه أن يقوم بالعمل كاملاً من دون مساعدة المستأجر، ولكن من اللّطف والإحسان والإنسانيّة أن تعينه على بعض عمله، وأن تشعره أنّه ليس ذليلاً بعمله، ولا أنتَ مُراقِب له، بل مُشارِك ولو مُشاركة رمزية، كأن تُناوله ما يحتاج من لوازم عمله وما شاكَل. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ - الهامش: (*) سنكتفي بالحديث عن الإحسان إلى (الأجير) عن الإحسان إلى (العامل) و(الكاسب) و(الموظّف) والنجار والبنّاء والصانع وأي إنسان يقدِّم طاقته وخدمته لقاء أجر يتقاضاه، فكل هؤلاء أُجراء، أي يعملون بأجر، ولا نعني صاحب العمل.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق