• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الإحسان إلى الجليس

أسرة

الإحسان إلى الجليس
تنويه: الجليس قد يكون أحد الأبوين، أو أحد الإخوة، أو أحد الأصدقاء، وسواء سُمِّي جليساً لأنّك تُجالسه وتُحدِّثه، أو سُمِّي سميراً أو زميلاً أو محاوراً، فإنّ حديثنا عن الإحسان في هذا الموضوع يشمل هؤلاء جميعاً، ولا يجب أن ننسى مراعاة خصوصية كلّ جليس. 1- الإحسان إلى الجليس في القرآن الكريم: أ) إسماعه الكلمات الطيِّبة التي تفتح مسامع قلبه: قال تعالى: (وإنْ أحدٌ مِنَ المُشرِكِينَ استَجارَكَ فَأجِرهُ حتّى يَسمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمّ أبلِغهُ مَأمَنَهُ) (التوبة/ 6). ب) الإصغاء إليه عندما يتحدّث وعدم مقاطعته: قال تعالى: (فتلقّى آدمُ مِن ربِّه كَلِماتٍ) (البقرة/ 37). وقال سبحانه مخاطباً نبيّه (ص): (وَلا تَعجَلْ بِالقُرآنِ مِن قَبلِ أن يُقضَى إليكَ وَحيُهُ) (طه/ 114). ت) أن تكون في مُنتهى الأدب مع جليسك ومُحدِّثك حتى لو انتقدكَ أو طرحَ عليكَ أسئلة مثيرة: قال تعالى مخاطباً نبيّه عيسى (ع): (وإذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابنَ مَريَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنّاسِ اتَّخِذُونِي وأُمِّيَ إلهَينِ مِن دُونِ اللهِ قالَ سُبحانَكَ ما يَكُونُ لِي أنْ أقَولَ ما لَيسَ لِي بِحَقٍّ إن كُنتُ قُلتُهُ فَقَد عَلِمتُهُ تَعلَمُ ما فِي نَفسِي وَلا أعلَمُ ما فِي نَفسِكَ إنّكَ أنتَ عَلاّمُ الغُيُوب) (المائدة/ 116). ث) أن تعترف له بالخطأ إن أخطأت، أو كان الحق إلى جانبه، وأن تُنصفه من نفسك: قال تعالى على لسان إمرأة العزيز: (الآنَ حَصْحَصَ الحَقُّ أنَا رَاوَدتُهُ عَن نَفسِهِ وإنّهُ لَمِنَ الصّادِقِينَ) (يوسف/ 51). وقال عزّوجلّ على لسان إخوة يوسف: (قالوا تَاللهِ لَقَد آثَرَكَ اللهُ عَلَينا وإنْ كُنّا لَخاطِئِينَ) (يوسف/ 91). ج) الإعتذار له إذا خالفتَ أمراً، أو اتفاقاً، أو شرطاً بينكما: قال جلّ جلاله على لسان موسى (ع) للخضر (ع) لمّا أخلّ بشرط الصبر على ما لم يُحِط بهِ خُبراً: (قالَ لا تُؤاخِذنِي بِما نَسِيتُ وَلا تُرهِقنِي مِن أمرشي عُسْراً) (الكهف/ 73). وفي موضع آخر: (قالَ إنْ سَأَلتُكَ عَن شَيءٍ بَعدَها فَلا تُصاحِبنِي قَد بَلَغتَ مِن لَدُنِّي عُذراً) (الكهف/ 76). ج) إنهاء الجلسة معه إذا شطّ في الحديث، وتجاوز حدود الأدب وخرج عن حدِّ الحشمة وأساء لمقدّساتك، من غير أن تسبّه أو تلعنه، فمجرّد مقاطعتك لجلسته كافٍ لإشعاره بخطأه: قال تعالى: (وإذا رَأيتَ الذينَ يَخُوضُونَ في آياتِنا فَأَعرِض عَنهُم حتّى يَخُوضُوا في حَدِيثٍ غَيرِه) (الأنعام/ 68).   2- الإحسان إلى الجليس في الأحاديث والروايات: أ) من الإحسان إلى جليسك أن لا تُفشي سرّه ولا تُذيع عنه ما يكره، فالمجالس بالأمانات: قال رسول الله (ص): "إنّما يتجالس المتجالسان بأمانة الله، فلا يحلّ لأحدهما أن يُفشي على أخيه ما يكره". ب) مُقاطعتكَ للجليس الذي يُسيء وينكر الحق ويكذب إحسانٌ إليه لئلاّ يتمادى فيناله عقاب أكبر: قال الإمام علي (ع): "إذا سمعتَ الرجل يجحد الحقّ، ويكذب به، ويقع في أهله، فقُم من عنده ولا تُقاعده". ت) التزحزح للجليس إكرام وإحسان له: دخل رجل على رسول الله (ص) في المسجد وهو جالسٌ وحده، فتزحزحَ (ص) له، فقال الرجل: في المكان سِعَة يا رسول الله، فقال (ص): "إنّ حقّ المُسلم على المُسلم إذا رآهُ يريد الجلوس إليهِ أن يتزحزح له". ث) أن لا تُقاطع حديثه حتى ينتهي منه، ولا تكون – بحسب الحديث – قد صفعته: عن الإمام علي (ع): "مِنَ المُروءة أن ينصت الأخ لأخيهِ إذا حدّثه".   3- الإحسان إلى الجليس في الأدب: يقول (ابن عبدربّه): "تعلّم حُسن الإستماع، كما تتعلّم حُسن الحديث، وليعلم الناس أنّك أحرَص على أن تسمع أكثر من أن تقول". وقال (ابن المقفّع): "تعلّم حُسن الإستماع، كما تتعلّم حُسن الكلام، ومن حُسن الإستماع إمهال المتكلِّم حتى ينقضي حديثه، وقلّة التلفّت إلى الجواب، والإقبال بالوجه، والنظر إلى المتكلِّم، والوعي لما يقول. وإذا رأيتَ رجلاً يتحدّث حديثاً قد علمته، أو يُخبر خبراً قد سمعته، فلا تُشاركهُ فيه، ولا تتعقّبه عليه، حرصاً على أن يعلم الناس أنّكَ قد علمته، فإنّ في ذلك خفّة وسوء أدب وسُخفاً". ويقول (لبيد بن أبي ربيعة): ما عاتبَ الحرَّ الكريمَ كنفسهِ والمرءُ يُصلحهُ الجليسُ الصّالحُ وقال (أبو تمّام) عن جليسٍ حسن الإصغاء: وتراهُ يُصغي للحديثِ بسمعهِ وبقلبهِ، ولعلّه أدرى بِهِ   4- برنامج الإحسان إلى الجليس: يقول الإمام علي بن الحسين (ع) في (رسالة الحقوق) بشأن حقِّ الجليس: "وأمّا حقّ الجليس: 1-   فأن تلين له كنفك وتطيب له جنابك، أي أن تكون هيِّناً لطيفاً معه في المحادثة وفي الإستماع. 2-   وتُنصِفه في مُجاراةِ اللفظ، أي إذا كان هادئاً مؤدّباً محترماً، فجاره في ذلك. 3-   ولا تغرق في نزعِ اللحظ إذا لحظت، أي لا تنظر إليه شزراً، بل ارمقهُ بنظراتٍ حانيةٍ ومُشعِرةٍ باللطفِ والمحبّةِ والإستئناسِ بما يقول، أو تفهّم ما يقول. 4-   وتقصّد في اللفظ إلى إفهامه إذا لفظت، أي أنّ خير الكلام ما قلّ ودلّ، تقول كلاماً واضحاً يفهمهُ جليسكَ، ولا تستخدم الألغاز والمُعمّيات. تقول عائشة (رض): "كانَ كلام رسول الله (ص) كلاماً فصلاً، يفهمهُ كلُّ مَن يسمعه". 5-   وإن كنتَ الجليسَ إليهِ كنتَ في القيامِ عنه بالخيار، وإن كان الجالسَ إليكَ كان بالخيار، ولا تقوم إلا بإذنه".

ارسال التعليق

Top