• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الإحسان إلى (العلم والعلماء)

أسرة

الإحسان إلى (العلم والعلماء)
1- الإحسان إلى (العلم والعلماء) في القرآن الكريم: أ- إتِّباعه من باب تقليد الجاهل للعالِم، والأخذ بتعليماته وتوجيهاته وإرشاداته: قال تعالى على لسان موسى (ع) في خطابه للعالِم الخضر (ع): (قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا * قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا) (الكهف/ 66-67). ب- إنقياد غير العالِم للعالِم، والذي لا خبرةَ له للخبير، ولِمَنْ لديه اختصاص إلى صاحب الإختصاص، لأنّ ذلك من موارد الطاعة: قال سبحانه على لسان إبراهيم (ع) لأبيه: (يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا) (مريم/ 43). ت- إجلاله وتوقيره واحترامه، لما يتمتّع به من ميزة العلم التي فضّل الله تعالى بها عباده العالمين على غير العالمين: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) (المجادلة/ 11). ث- من الإحسان إلى العلم والعلماء وللمُتعلِّمين أيضاً أن تأخذ علمكَ ممّن عرفَ أنّه له باع طويل في العلم والأستاذيّة والقدرة على التبحّر في العلوم ممّن يصفه تعالى بأنّه راسخ في العلم: قال سبحانه: (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا) (آل عمران/ 7). وقال تقدّست أسماؤه: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (الأنبياء/ 7). والرّاسخون في العلم وأهل الذكر، هم الذين يُمثِّلون أبواب مدينة العلم، وهم الأئمّة من آل بيت النبي (ص).   2- الإحسان إلى (العلم والعلماء) في الأحاديث والروايات: أ- معرفة قيمة العالِم ومنزلته حتى نُقبل عليه وننهل من علمه ونستهدي بأخلاقه: قال رسول الله (ص): "عُلماء أُمّتي كأنبياء بني إسرائيل". وقال (ص): "يُوزَن يوم القيامة مِداد العُلماء ودماء الشّهداء، فيرجح مِداد العُلماء على دماء الشّهداء". المِداد: الحبر. وقال الإمام علي (ع): "العُلماء باقُونَ ما بقي الدّهر". وقال الإمام الصادق (ع): "إنّ العلماء وَرُثةُ الأنبياء". ب- النظر في وجه العالِم، أي التطلّع فيه لأخذ العلم، وليس لمُجرّد الإستمتاع بمحاسن وجهه، وربّما كان صفاء وجهه يشير إلى صفاء داخله، فينعكس الصّفاء عليكَ أنكَ الناظر إليه: قال (ص): "الّنظر إلى وجهِ العالِم عبادة". وقد سُئل الإمام الصادق (ع) عن قول النبي (ص) هذا، فقال: "هو العالِم الذي إذا نظرتَ إليه ذكّركَ الآخرة، ومَن كان خلاف ذلك فالنّظر إليه فتنة". ت- إختيار العالِم الرباني المُعلِّم الذي يصلح أن يكون قدوة في علمه وعمله: قال الإمام الباقر (ع) في قوله تعالى: (فَلْيَنْظُرِ الإنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ) (عبس/ 24): "علمهُ الذي يأخذهُ ممّن يأخذه"؟! وقال الإمام موسى بن جعفر (ع): "لا علمَ إلا من عالِمٍ ربّاني، ومعرفةُ العالِم بالعقل". ث- ومن الإحسان إلى العالِم، معرفة حقوقه على المُتعلِّم والمُتلقِّي والمتّبع له: يقول الإمام علي (ع): "من حقّ العالِم عليكَ: 1- أن تُسلِّم على القوم عامّة وتخصّه دونهم بالتحيّة. 2- وأن تجلس أمامه. 3- ولا تشيرنّ عنده بيدك. (تأدّباً واحتراماً). 4- ولا تغمزنّ بعينيك. (للسّبب ذاته). 5- ولا تقولنّ: قال فلان خلافاً لقوله. (إذا أردتَ مُناكدته، أمّا إذا أردتَ مناقشته، فباب النِّقاش مفتوح للرأي والرّأي المُضاد). 6- ولا تغتابنّ عنده أحداً. (أي احرص على نظافة الجوّ التعليمي وسلامته). 7- ولا تسارّ في مجلسه. (أي لا تتحدّث همساً مع أحد رفاقك). 8- ولا تأخذ بثوبه. (لأنّه خلاف الذّوق والأدب). 9- ولا تلحّ عليه إذا ملّ. (أي لا تُثقِل عليه إذا رأيته في حال غير مساعدة أو مؤاتية). 10- ولا تُعرض من طول صُحبته". (أي لازِمه). ج- تكريمه وتعظيمه بإظهار الأدب والتأدّب في حضرته ومجلسه، وبالقيام بحقوقه: قال رسول الله (ص): "مَن استقبلَ العُلماء فقد استقبلني، ومَن زارَ العُلماء فقد زارَني، ومَن جالس العلماء فقد جالسني، ومَن جالسني فكأنّما جالسَ ربِّي". وقال الإمام علي (ع): "إذا رأيتَ عالماً، فكُن له خادِماً". وعنه (ع): "مَن وقّرَ عالماً، فقد وقّر ربّه". وحشا الإمام الحسين (ع) فم المُعلِّم (عبدالرحمن السلمي) درّاً، لأنّه علّم طفلاً صغيراً له سورة الفاتحة!!   3- الإحسان إلى (العلم والعلماء) في الأدب: يقول (ابن عبد ربّه) في معرفة قيمة العلم والعلماء، الذي هو من بعض الإحسان إليهما: العلمُ يُحيي قلوبَ المَيِّتينَ كما **** تحيا البلادُ إذا ما مسّها المَطَرُ والعلمُ يجلو العمى عن قلبِ صاحبه **** كما يُجلِّي سوادَ الظُّلمة القَمَرُ والإحسان للعالِم هو في الحقيقة إحسانٌ للعلم، لأنّه به يُشرَف الإنسان وترتفع منزلته، وكلّما اقترنَ العلم بالأخلاق، كانَ أدعى إلى الإجلال والتوقير: قال (حافظ إبراهيم): والعلمُ إن لم تكتنفه شمائلٌ **** تُعليه كان مطيّة الإخفاق كَم عالمٍ مدّ العلومَ حبائلاً **** لوقيعةٍ وقطيعةٍ وفراقِ والإحسان إلى العالِم هو إحسان إلى النفس، لأنّ صحبته والتّلقي عنه والأخذ منه والتأسِّي به ممّا يرفع التابع له في طلب العلم: يقول (الشّريف الرّضي): مَن يعدِم العلمَ يظلم عقلهُ أبداً **** نراهُ أشبهُ ما نلقاهُ بالنَّعَمِ كَم من نفوسٍ غَدَت للهِ مُخلصةً **** بالعلمِ في صفحة القرطاس والقلَمِ والنَّعَم: البهائم. والإنسان إلى العلم والعُلماء يزيد في نسبة الهُدى والإستقامة بين الناس، يقول الشاعر: فَوَ الله لولا العلمُ ما اتّضح الهُدى **** ولا لاحَ من غيبِ الأمورِ لنا رَسمُ ومن الإحسان إلى العالِم أن تسأله، وتستخرج علمه بالسؤال والحوار والمحادثة، لأن علمه يزكو على الإنفاق، ولأنّه يكون قد أدّى مسؤوليّته، ولأنّ انكشاف العلم والحقائق وتبيانها أفضل من خزنها وكتمانها: يقول الشاعر: (القرويّ): تلقّط جذورَ العلمِ حيثُ وَجَدْتَها **** وسَلْها ولا يُخْجِلكَ أنّك تَسألُ وقال آخر: تعلّم العلمَ واجلسْ في مجالسهِ **** ما خابَ قطُّ لبيبٌ جالسَ العُلما ويقول (الأصمعي): "أوّل العلم (الصّمت)، والثاني (الإستماع)، والثالث (الحفظ)، والرابع (العمل)، والخامس (النّشر)". وكان (لقمان الحكيم) يعظ ابنه، فيقول: "يا بُنيّ! جالِس العُلماءَ وزاحمهم بركبتيك، فإنّ الله يُحيي القلوب بنور الحكمة كما يُحيي الأرض المَوات بوابلِ السماء"! وأمّا (سلمان الفارسي) فالإحسان إلى العلم عندهُ بتعلّمه والعمل به، حيث يقول: "إنّك لن تكون عالِماً حتى تكون مُتعلِّماً، ولن تكون بالعلم عالماً حتى تكون به عامِلاً". ويرى (أمرسون) أنّ الإحسان إلى العلم أن تستفيد من معلِّميه الكثر، فلكلٍّ ما يعطيه، حيث يقول: "كُلّ إنسانٍ أصادفه لابدّ أن يفوقني من ناحيةٍ أو أخرى، ولذلك أحاولُ أن أتعلّم منه"! وفي الصِّين يرون أنّ الإحسان إلى العلم زيادته، فيقولون: "المعرفة التي لا نُنمِّيها كل يوم، تتضاءل يوماً بعد يوم". ورُوي عن السيِّد المسيح (ع) في حديثه عن الإحسان إلى العلم بالسؤال، حيث يقول: "إطلبوا تجدوا، اقرعوا يُفتَح لكم"، (أي بالسؤال). وقال (أوبري أيبن): "العلمُ ليسَ بقرة مُقدّسة، العلمُ جوادٌ، لا تعبده، بل أطعمه". وقيل في تعلّم العلم: "تعلّموا العلم، فإن كنتم (سادَةً) فُقْتُم، وإن كنتم (أوساطاً) سِدْتُم، وإن كنتم (سَوَقَةً) عِشتُم". السوقة: الناس العاديّون. وسُئل أحدهم: لو أنّ الله أوحى إليك بأنّك ستموت العشيّة، فماذا تصنع؟ أجاب: "أقوم وأطلب العلم"!! وقال (صالح بن عبدالقدّوس): يا أيُّها الدارس علماً ألا **** تلتمس العونَ على درسهِ؟ لن تبلغَ الفَرغَ الذي رُمتَهُ **** إلا ببحثٍ منك عن أُسِّهِ ويشير (الإمام الشافعي) إلى إحسان العلم إليه، لأنّه كان قد أحسنَ إليه، في أنّه رفيق مُلازم، فيقول: علمي معي حيثما يمّمتُ بنفعُني **** قلبي وعاءٌ له، لا بطن صندوقِ إن كنتُ في البيت كان العلمُ فيه معي **** أو كنتُ في السوقِ، كان العلمُ في السوقِ يمّمتُ: توجّهت. ويرى (ابن الورديّ) أنّ الإحسان إلى العلم بالإستزادة منه، فيقول: في ازديادِ العلمِ إرغامُ العِدى **** وجمالُ العلمِ إصلاحُ العَمَلُ ويدعو (أحمد شوقي) إلى أخذ العلم عن أعلامه، لأنّ ذلك هو الإحسان إليه، فيقول: فخذوا العلمَ عن أعلامِهِ **** واطلبُوا الحكمةَ عند الحُكماء واطلبُوا المجدَ على الأرضِ فإنْ **** هي ضاقت فاطلبوهُ في السّماءِ ويلاحظ (ناصيف اليازجي) أنّ الحاجة إلى العماء أمسُّ من الحاجة إلى الملوك، فيقول: الناسُ تحتاج أهل العلم قاطِبَةً **** وأكثرُ الناس تستغني عن الدّولِ(*) وكَم ملوكٍ تقضّى ذكرُها ومضى **** وذكرُ ذي العلمٍ بينَ الناسِ لم يَزَلِ وينصح (خليل مطران) بالإحسان إلى العلم والمُتعلِّمين من خلال أبناء المدارس والمعاهد والجامعات، فيقول: فعلِّموا، علِّموا، أو لا قرارَ لكُم **** ولا فِرارَ من الآفاتِ والغُمَمِ وواضعٍ حَجَراً في أُسِّ مَدرسةٍ **** أبقى على قومهِ من شائِدِ الهَرَمِ! وقال (رسول حمزتوف): "كُن صديقاً للمعرفة: فبيتها غنيّ، وعطاياها سخيّة، وحبّاتها وارفة". ومن الإحسان إلى العلم، أن تتخلّى عن كلِّ ما يُعارضه ويُناقضه ويتنافى معه: تقول الحِكمة الصِّينية: "أسكب ماءَكَ القذر، قبل الحصول على الماء النّقي"! أي أنّ الإحسان إلى العلم يكون بـ(حرث) الأرض أوّلاً، ثمّ (زراعتها).   4- برنامج الإحسان إلى (العلم والعلماء): 1- من الإحسان إلى العلم والعالِم، أن تواصل طلب الأوّل إلى اللّحد، وأن تبتغيه ولو في أقصى نقطة من الأرض، وأن تتواصل مع الثاني في الإستنزادة منه والإنتهال من علومه، والإغتراف من فيض أخلاقه. يقول الحديث الشريف: "مَن أردَ الدنيا فعليه بالعلم، ومَن أرادَ الآخرة فعليه بالعلم، ومَن أرادَهما معاً فعليه بالعلم". 2- ومن الإحسان للعلم أيضاً، أن تعتمد في طلبه سلّم الأولويّات، فتتعلّم الأكثر أهمِّية وحيوية ونفعاً لك ولمجتمعك ولدينك ودنياك، ثمّ الأدنى أهمِّيّة: يقول الإمام علي (ع): "العمر أقصر من أن تتعلّم كلّ ما يحسن بكَ تعلّمه، فتعلّم الأهمّ فالمهمّ". ويقول (الإمام الشافعي): لن يبلغَ العلمَ جميعاً أحدٌ **** لا ولو حاولَهُ ألفَ سنة إنّما العلمُ عميقٌ بَحرُهُ **** فخذوا من كُلِّ شيءٍ أحسنَه!! 3- ومن الإحسان إلى العالِم والمُعلِّم ما وردَ عن الإمام الباقر (ع) في قوله: "إذا جلستَ إلى العالِم، فكن: 1- على أن تسمع أحرَص منكَ على أن تقول. 2- وتعلّم حُسنَ الإستماع كما تتعلّم حُسنَ القول. 3- ولا تقطع على أحدٍ حديثه". وفي (رسالة الحقوق) عن الإمام زين العابدين (ع) في حقِّ العالِم والمُعلِّم: "حقُّ سائسك بالعلم: 1- التّعظيم له. 2- والتّوقير لجلسه. 3- وحُسن الإستماع إليه. 4- والإقبال عليه. 5- وأن لا ترفع عليه صوتَك. 6- وأن لا تُجيب أحداً يسألهُ عن شيءٍ حتّى يكون هو الذي يُجيب. 7- ولا تُحدِّث في مجلسه أحداً. 8- ولا تغتاب عندهُ أحداً. 9- وأن تدفع عنه إذا ذُكِرَ عندكَ بسوء. 10- وأن تستر عيوبه. 11- وتُظهِر مناقبه. 12- ولا تُجالِس له عدوّاً. 13- ولا تُعادي له وليّاً. فإذا فعلتَ ذلك، شهدَ لكَ ملائكةُ الله بأنّكَ قصدته، وتعلّمتَ عليه للهِ جلّ اسمه لا للناس". ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (*) الناس بحاجة إلى الإثنين معاً، فليسَ صحيحاً أنّهم يستغنون عن الحكّام والأمراء، فمَن يديرون شؤون البلاد ويسوسون الناس؟ نعم، إذا كان العلماء والأمراءُ مُتفقين على خدمة الناس، بتعليمهم وتربيتهم، وبقيادتهم نحو الصّلاح، فقد اجتمع الخير كلّه.

ارسال التعليق

Top