في وصية عن الإمام الباقر (ع): "وَاستَبقِ خَالِصَ الأعمالِ ليَوم الجزَاء"، من المعروف أن شكر العلم يكون يكون بالعمل به، لكن لابد من إنجاز هذا العمل بحيث يكون مفيداً يوم القيامة. ولعلّ في كلمة "استبق" إشارةً إلى أنّ بعض أعمال الخير تنجز بشكل صحيح في حينها لكنها تبطل فيما بعد. ومن هنا يقول عزّ من قائل في كتابه العزيز: (لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأذَى) (البقرة/ 264)، فقد يُنجز العمل الصالح في وقت معين لكنه يبطل بعمل آخر بعد حين. فهناك من العوامل ما يُبطل أعمال عمر بأكمله في لحظة واحدة. إذن فعندما نهمّ بالقيام بفعل خير فإنّه لا بدّ أن نعلم هل كان هذا العمل عملاً صالحاً، وأن نقوم به بالكيفية التي تُرضي الله عزّوجلّ. أن تكون نيّاتنا سليمة خالصة من الشوائب، أن نحذر لئلّا نأتي بفعل يُبطل ذلك العمل. إنّ معنى الإخلاص أن تكون نيتك فيما تقوم به لله، لا تريد غير الله، لا سمعة ولا رياء ولا رفعة عند أحد، ولا تزلفاً، ولا تتقرب من الناس مدحاً، ولا تخشى منهم قدحاً، والله سبحانه عني حميد، لا يرضى أن يشرك العبد معه غيره، فإن أبى العبد إلّا ذلك رد الله عليه عمله وحملّه عواقب ذلك.
فالعمل إذا كان لله فهو مقبول، وصاحبه مأجور عليه، وإن كان لغير الله فهو مردود على صاحبه، ويكون عليه وزراً، وإنّ الله ليجازي الصادقين بمجرد نياتهم الصادقة، حتى ولو لم يوفقوا إلى العمل، والله جلّ جلاله متصف بالحمد والكرم، وإذا أحسن العبد القصد ولم تتهيأ له أسباب العمل فإنّه يؤجر على تلك النية وإن لم يعمل، كرماً من الله وفضلاً، بل إن همّ بعمل صالح يؤجر عليه العبد وإن تخلّف العمل، روى الإمام الصادق (ع) قال: "إن المؤمن لَيَهمّ بالحسنة ولا يعمل بها فتكتب له حسنة، وإن هو عملها كتبت له عشر حسنات، وإن المؤمن ليَهمّ بالسيئة أن يعملها فلا يعملها فلا تكتب عليه". وقالت سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السلام): "وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له كلمة جعل الإخلاص تأويلها، وضمن القلوب موصولها، وأنار في التفكر معقولها".
إنّ الإخلاص لله تعالى إضافة لآثاره الأخروية، هو من أكبر عوامل التقدم والنهوض بالأمة واستنقاذها من واقعها المر، فإنّ المخلص يضحي بوقته وصحّته وماله ونفسه لخدمة الإسلام، أما غير المخلص فتراه يضحي بمصالح الدين والأمة لأجل أن يعيش أياماً معدودات. ورد عن النبيّ الأكرم (ص): "وأما علامة المخلص فأربعة: يسلم قلبه وتسلم جوارحه، وبذل خيره، وكف شرّه". عن أمير المؤمنين (ع): "سادة أهل الجنة المخلصون"، وورد عنه (ع): "الزم الإخلاص في السر والعلانية والخشية في الغيب والشهادة والقصد في الفقر والغنى والعدل في الرضا والسخط"، وقال (ع): "الإخلاص غاية الدين".
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق