الدعاء هو تعبير عن ظاهرة روحية مستقلة تنطلق من إحساس النفس المؤمنة بعظمة من تلجأ إليه، وعبوديتها له، وحاجتها للارتباط به .يؤكد الإسلام وبشدة على موضوع الدعاء ويدعو المسلمين لتكريس جزء من أوقاتهم اليومية للعبادة والدعاء والتضرع إلى الله. وفي أهمية الدعاء قال النبيّ (ص): "الدعاءُ سلاحُ المؤمن وعمودُ الدين ونور السماوات والأرض". الدعاء بعبارة بسيطة هو التحدُّث إلى الله تعالى، ويعني أن يُنادي الإنسان ربّه ويُناجيه ويُكلّمه، فهو وسيلة لارتباط الإنسان بالله عزّوجلّ. إنّ الإحساس بالقرب من الله وبثّ هموم القلب بحضرته، وتمجيده وتحميده، والتودُّد إليه، وطلب الحاجات منه، كلّها من مصاديق الدعاء. قال رسول الله (ص): "الدعاءُ مخُ العبادةِ ولا يُهلكُ مع الدعاء أحد". يكشف لنا هذا الحديث المبارك عن جوهر العبادة وحقيقتها التي تتجلّى في إقبال العبد المحتاج على المعبود الغني. وهذا الإقبال يُجسِّد الصلة بين الخالق والمخلوق، وشعوره بحاجته الدائمة إلى ربّه تعالى في جميع أُموره، واعترافه بالعبودية له تعالى، والدعاء أوسع أبواب ذلك الارتباط، فهو مخ العبادة وحقيقتها وأجلى صورها. وقد عَدّ الله تعالى الإعراض عن الدعاء استكباراً عن العبادة: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) (غافر/ 60). وفي تفسير الآية الشريفة، قال الإمام الصادق (ع): "الدعاءُ هو العبادةُ التي قال اللهُ عزّوجلّ (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي)". وعن رسول الله (ص)، أنّه قال: "أفضلُ العبادةُ الدعاءُ وإذا أذِن اللهُ لعبدٍ في الدعاءِ فتّحَ له أبوابَ الرحمةِ إنّه لن يَهلك مع الدعاء أحد". إذاً، الدعاء في نفسه عبادة؛ فهما يشتركان في حقيقة واحدة، هي إظهار الخشوع والافتقار إلى الله تعالى، وهو غاية الخلق وعلّته، قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات/ 56). وطالما أنّ هدف العبادة هو تحقيق الرابطة الحقيقية التي ينبغي أن تكون بين العبد وربّه، على أساس اعتراف العبد باحتياجه المطلق إلى الغني المطلق وإقراره بفقره وفاقته وعجزه ولا شيئيته أمام المالك الذي لا ينفد ملكه وسلطانه، فإنّ الدعاء هو من أبرز العبادات التي تُحقّق هذا الهدف لأنّ الدعاء مَظهر فقر الإنسان إلى الله تعالى واحتياجه إليه؛ عن الإمام الصادق (ع): "عليكم بالدعاءِ، فإنّكم لا تَتقرّبون بمثله". إنّ علاقةَ الإنسان بالله سبحانه وتعالى تتضمّن معاني الحاجة والفقر المطلق لله تعالى، ورحمته وعونه. ولا يُمكن أن يُتصوّر – ولو للحظة – كون الإنسان مستقلاً عن الله سبحانه في تدبير شؤونه وتيسير أُموره، ودفع الشرور عنه، وجلب المصالح إليه، شاء الإنسان ذلك أم أبى. وقد فتح الله سبحانه بالدعاء باباً لعباده لقضاء الحوائج، صغيرها وكبيرها، وفي كلّ مكان وزمان. يُروى عن أمير المؤمنين عليّ (ع) في نهج البلاغة، أنّه قال: "فَمتى شِئتَ استفتحتَ بالدعاءِ أبوابَ نعمته واستَمطرتَ شَآبيبَ رحمته". فالدعاء مطلوب في كلّ حال، ومتى ما شاء الإنسان، وفي هذا من الرحمة له ما يعجز دونه العقل. هذه القواعد الإلهيّة في رسم علاقة مفتوحة بين البشر وخالقهم دون حدود الزمان والمكان، أمر أكّدت عليه آيات الكتاب ونصوص إسلامية كثيرة، فقد جاء في القرآن الكريم: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (غافر/ 60)، فالأمر بالدعاء في الآية الكريمة جاء مطلقاً دون قيود. وعن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع) في الحثّ على الطلب من الله تعالى واللجأ إليه ودعائه: "فاستَفتحُوه واستَنجحُوه واطلُبُوا إليه واستَمنحُوه فما قطعَكم عنه حِجاب ولا أُغلقَ عنكم دونه بابٌ وإنّه لَبكُلّ مَكانٍ وفي كُلّ حينٍ وأوانٍ ومع كُلّ إنسٍ وجانٍّ لا يَثلمهُ العطاءُ ولا يَنقُصه الحِباءُ ولا يَستنفدُه سائِلٌ ولا يَستَقصيه نائِلٌ ولا يَلويه شخصٌ عن شخصٍ ولا يُلهِيهُ صوتٌ عن صوتٍ ولا تَحجزُه هِبَةٌ عن سَلب".
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق