• ٢٤ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٥ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الإلمام بـ«الثقافة الصحّية»

عمار كاظم

الإلمام بـ«الثقافة الصحّية»

حرص الإسلام كلّ الحرص على أن يتمتع المسلم بالصحّة الجسمية والنفسية، فبهما يَقْوَى الإنسان على العبادة وعمل الخير لنفسه ولأهله ولأُمّته، وبهما يكون قادراً على عمارة الأرض، ولقد أثنى النبيُّ على المؤمن القوي، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «المؤمنُ القوي خيرٌ وأحبُّ إلى اللهِ من المؤمنِ الضعيفِ وفي كلّ خيرٌ». ويعني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بذلك القوي بإيمانه بالله سبحانه وعقيدته، ونفسه وجسده، والمحافظة عليها جميعاً. إنّ من أهمّ النِّعَم التي ينعم الله بها على الإنسان في الحياة، نِعمة الصحّة، والتي غالباً ما يغفل عنها ولا يشعر بأهميّتها إلّا عندما يفقدها. وإلى هذا، أشار الإمام عليّ (عليه السلام) بقوله: «نعمتان مجهولتان؛ الصحّة والأمان». وقد قيل إنّ «الصحّة تاج على رؤوس الأصحّاء». فالصحّة هي المدخل لبلوغ العقل السليم، لذا يُقال: «العقل السليم في الجسم السليم»، لأنّها تسمح بأداء المسؤوليات والقيام بالواجبات، فالإنسان لا يستطيع القيام بمسؤوليات الدُّنيا أو الآخرة، أو أداء واجباته، إن لم تتوفّر هذه الصحّة. وفي غياب الصحّة، هو لا يستمتع بلذّات الحياة أو بجمالها. وإلى هذا أشارت الأحاديث: «بالصحّة تستكمل اللّذّة»، «ألا وإنّ من البلاءِ الفاقة، وأشدُّ من الفاقةِ مرضُ البَدَن». وفي الحديث: «مَن أصبح وأمسى مُعافى في بدنه، آمناً في سربه، عنده قوت يومه، فإن كانت عنده الرابعة، فقد تمّت عليه النِّعمة في الدُّنيا والآخرة، وهو الإسلام».

وعن الإمام عليّ (عليه السلام): «العلم علمان علم الأديان وعلم الأبدان». فجعل الإمام (عليه السلام) علم الأبدان إلى جانب علم الأديان وذلك لما له من أهميّة بالغة في الحياة ومواكبتها بشكل سليم. ومن مظاهر عناية الإسلام بالصحّة، أنه وضعَ لها الوسائل الوقائية، والأساليب العلاجية، للمحافظة عليها، وتَوَقِّي الأمراض قبل حدوثِها، فالوقاية خير من العلاج، والحقيقة أنّ موقف الإسلام من الصحّة والوقاية وسلامة الأبدان موقف لا نظير له في أي دين من الأديان، فالنظافةُ فيه عبادة وقُربَة، بل فريضة من الفرائض، حيث إنّنا نجد كُتُب الشريعة في الإسلام تبدأ أوّل ما تبدأ ببابٍ عنوانه «الطهارة» أي النظافة، فهذا أوّل ما يدرسه المسلم والمسلمة من فقه الإسلام لأنّ الطهارةَ هي مفتاح العبادة اليومية «الصلاة» فلا تصح الصلاةِ إلّا بالطهارة، لقوله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ) (المائدة/ 6).

ولم يقف الأمر في دعوة الإسلام إلى الصحّة عند الصحّة الجسدية، بل امتدَّ إلى الصحّة النفسية، عندما عزَّز في الإنسان روح التفاؤل، وهذا يحقِّقه التوكّل على الله، والرِّضا بقضائه وقدره، وبالتواصل معه، وفي تجنّب التطيّر والتشاؤم والجزع والاستغراق في الحزن، والنظر إلى الإيجابيات في الأشياء، وعدم الاستغراق في السلبيات. ورد في الحديث: «ليس منّا مَن تطيّر أو تُطيِّر له». لذا، كان رسول الله (صلى الله عليه وآله سلم) يحبّ الفأل الحسن، ويكره التطيّر، وكان يأمر مَن رأى شيئاً يكرهه ويتطيّر به، أن يقول: «اللّهُمّ لا يأتي بالحسنات إلّا أنت، ولا يدفع السيِّئات إلّا أنت، ولا حول ولا قوّة إلّا بك».

ومن المسؤولية أن يمتلك الإنسان ثقافة صحّية تمكّنه من التعرُّف إلى ما يؤدِّي إلى الإضرار بصحّته، وأن يصونها من كلّ ما قد يسيء إليها. وهذا علمٌ يجب تحصيله، وأن يعمل على تحصين صحّته، وذلك بالوقاية، بأن يقيها من كلّ ما يتسبَّب لها بالضرر، ويفقدها حيويتها وفعاليتها، فالإنسان ليس حراً في أن يكون نظيفاً أو لا يكون، أو أن يعتدل في طعامه وشرابه أو لا يعتدل، أو أن يرتاح أو لا يرتاح، أو أن يهدِّد صحّته أو لا يهدِّدها، أو أن يهمل صحّته أو لا يهملها، أو أن يجري فحوصات طبية أو وقائية أو لا. فلندعُ الله سبحانه وتعالى من كلّ قلوبنا: «اللّهُمّ البسنا عافيتك وعافية الدُّنيا والآخرة»، ولنسأل الله أن يمنَّ علينا بالصحّة والأمن والسلامة في الدِّين والبدن والبصيرة في القلب.

ارسال التعليق

Top