• ٢٠ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٨ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الإمام الحسين (عليه السلام).. مدرسة في توحيد الشعوب

عمار كاظم

الإمام الحسين (عليه السلام).. مدرسة في توحيد الشعوب

كانت حركة الإمام الحسين (عليه السلام) وثورته تبعث الدهشة والاستغراب في أوساط المجتمع آنذاك، وحتى المقرّبين من بني هاشم ممّن يُؤيدون الإمام (عليه السلام). ولكن الإمام (عليه السلام) كشف أهداف حركته للأُمّة وأعلن بصراحة عن موقفه المضاد لبيعة يزيد وعن رفضه إعطاء شرعية للحكم الأُموي ولعلّ أهم شعاراته قوله (عليه السلام): «إنّما خرجتُ لطلب الإصلاح في أُمّة جدّي، أريد أن اَمُر بالمعرُوف وأنهى عن المنكر. فمن قبلني بقبول الحقّ، فالله أولى بالحقّ، ومَن ردّ عليَّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحقّ، هو خير الحاكمين». عندما نتأمّل أبعاد هذا النص ونُحلل الفكرة التي يحملها نجد أنّ الحسين (عليه السلام) كان يحمل همّ المجتمع الإسلامي، هم إصلاح هذا المجتمع ويُعلن هدف ثورته وغاية حركته وهي طلب الإصلاح في أُمّة جدّه. الذي بُعث للناس جميعاً... أبيضهم وأسودهم.. وكلّ أهل الأرض. جدّه الذي جاء فحقّق للأُمّة الوحدة والعدالة والمساواة وقضى على العبودية والظلم. جدّه الذي بُعث رحمة للعالمين. كما يُعلن أُصول ثورته الإصلاحية؛ فهي أمر بمعروف ونهي عن المنكر.. حتى يصلح أمراض الأُمّة.. وحتى يكون انسجام الإنسان مع الحقّ.. ونشر المحبّة. وتحقيق العدالة.. والرفاه في المجتمع. ومن الدروس المعروفة العظيمة في الثورة الحسينية: المساواة، والعدالة، الحرّية، والرفاه الاقتصادي. دروس الثورة الحسينية تمثّل ضمير الأديان إلى أبد الدهور. وأطلقت ثورة الحسين (عليه السلام) هواء الحرّية بالفداء في فضاء الخلود ليتصل نسمات الهواء النقي ببعضه، من ماضٍ وحاضرٍ وآتٍ. فكلمات الإمام الحسين (عليه السلام) مدرسة تُعلم الإنسان كيف يعيش حرّاً وشعاراته تُعد جامعة لتوحيد الشعوب وإزالة الفوارق في اللون والجنس وتدعو إلى الحرّية، فحياة الذل لا تساوي شيئاً والحل هو طلب الشهادة، بل عشق الموت طلباً للحياة. الإمام الحسين (عليه السلام) يرفض عبودية الإنسان للإنسان ويعتبر ذلك هو الموت بعينه أمّا الخضوع لله والعبودية لخالق الكون والحياة فهي قمّة الحرّية لأنّها تجعل الجميع سواء أمام ربّ واحد، إله واحد. لا فضل لأحد على أحد إلّا بالتقوى.. فالتقوى مقياس ومعيار الكرامة البشرية. الخضوع لله: حرّية. لأنّ مَن يخضع لله لا يعبأ بأكبر إنسان على وجه الأرض في المقاييس الدنيوية. (عظُمَ الخالق في أعيُنهم فصغر ما سواه في أنفُسهم). ثورة الحسين (عليه السلام) ليست لطلب الملك والسلطات والثروة والجاه، لأنّ الحسين (عليه السلام) على خُطى جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبيه عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) جدّه الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي قال: «لن تقدّس أُمّةً لا يؤخذ لضعيفها من قويِّها» وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «الناس سواسية كأسنان المشط»، ورُوِي عنه أنّه قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «الملك يدوم بالكفر ولا يدوم بالظلم»، وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلّا بالتقوى». وسار الحسين (عليه السلام) على خُطى أبيه أميرالمؤمنين (عليه السلام)؛ الذي قال (عليه السلام): «إمرتكم عندي لا تُساوي ورقة في فم جرادة إلّا أن أقيم حقّاً أو أدفع باطلاً». ثورة الحسين (عليه السلام) من أجل الإنسان أيّاً كان سواء كان مُسلِماً أو غير مُسلِماً، من أي بلدٍ كان وإلى أي أم ينتمي. لأنّ الظلم عندما يقع لا يخُصّ المؤمنين وحدهم بل يشمل كلّ طبقات المجتمع كما حدث زمن بني أُمية. لم يكن الظلم يخُصّ بني هاشم وحدهم. إنّما كلّ طبقات المجتمع.. ثورة الحسين (عليه السلام) حركة اجتماعية من أجل الإنسان وصرخةٌ في أعماق التاريخ اخترقت حاجز الزمن حتى أسقطت عرش بني أُمية وزلزلت عروش الكثير من فراعنة الدهر. من هنا نفهم العامل الاجتماعي لحركة الإمام الحسين (عليه السلام) الذي رأى المجتمع أوشك على السقوط في الهاوية فايقظ النفوس والضمائر وحرّك المشاعر، وأرهف الإحساس بالعزّة والكرامة، وجعل الشهادة طريقاً للحرّية والعدالة. الثورات في العالم قدّمت عطائها في مكان وزمان محدودين. وسعت إلى قلب نظام الحكم وتغيير البُنى الفوقية للمجتمع. أمّا ثورة الحسين (عليه السلام) فكانت أكبر من ذلك بكثير.

وأهدافها أبعد أثراً من ذلك.. إنّها ثورة بالمفهوم اللغوي ولكنّها لم تكن كذلك بنتائجها وآثارها الخطيرة. إذ كانت زلزالاً دَكِّ عروش الظلم. إنّها سعت إلى تغيير الإنسان ذاته وإعادة المسلم إلى قيمه الحضارية ومنظومته الفكرية التي شوهتها الخلافة الأموية. إنّها ثورة سعت إلى تغيير البُنى التحتية للمجتمع وإلى تغيير الأجيال.

ارسال التعليق

Top