نشأ الإمام جعفر الصادق (ع)، نشأة صالحة في بيت طاهر، تلّقى فيه أصول الصدق والإيمان، وقد لقّب فيما بعد بـ«الصادق»، أي الذي يقول الحقّ والصدق دائماً، وصار يعرف بـ«جعفر الصادق». اتصف الإمام الصادق (ع) بصفات الفضل، ومحبة العلم، وإن إحصاء فضله (ع)، وسعة علمه، وآفاق فكره، وعبقريته، والإحاطة بتاريخ حياته (ع) لا حدود له.
يُعتبر الإمام الصادق (ع) صاحب مدرسة فكرية كبرى، كان لها وجود عالمي وفضل كبير على الإسلام. فالإمام الصادق (ع) طلب الحكمة، وسعى لاكتشاف أسرارها، وغاص في عميق معانيها، وفجَّر الينابيع بطاقة العقل، وصفاء النفس، وأخذ بيد الإنسان وقاده إلى مناهل المعرفة، بكلِّ ما فيها من عمق وشمول.
تابع الإمام الصّادق (ع) دروسه في كلّ محيط، وكثر عدد تلاميذه الذين كانوا ينتشرون في كلّ اتّجاه، وينشرون تعاليمه بين الناس، وقد توزّعوا إلى فئاتٍ متعدّدةٍ، تقوم كلّ منها بنشاط معيّن؛ فمنهم من كان يجلس في المساجد ويعلّم الناس أحكام الفقه، ومسائل الأصول، وأحكام الحلال والحرام، وبعضهم كان يعلّم التفسير، ويقوم بالرّد على ما يطرحه الناس من أسئلة أو إشكالات، والبعض الآخر يتصدّى للمنحرفين وما ينشرونه من مفاهيم خاطئة ومغلوطة.
كان عصر الإمام (ع) يتميز بتعدد الثقافات والعلوم، لهذا لم يقتصر الإمام (ع) على تدريس العلوم القرآنية فقط، بل أضاف إليها علوماً زمنية مثل الرياضيات والكيمياء والنجوم والتاريخ والحكمة وغيرها، وهكذا كان يتحدث تلامذة الإمام (ع) في جميع الأبعاد العلمية. لم يكن الإمام (ع) يفرض على تلامذته رأياً معيناً فكان لهم الحق في أن يعترضوا، ولهم الحق في أن يعبروا عن آرائهم، ومع ذلك فقد كان الأمر ينتهي دائماً بالإذعان، وذلك يعود إلى أسلوب الإمام العلمي، والأدلة العلمية، والمنطق السليم، والبيان الرائق.
عند قراءة حياة الإمام الصادق (ع)، نجد حدثاً بارزاً، وهو تعدد الثقافات، وموجة الإلحاد التي اجتاحت العالم الإسلامي، فلقد كانت هناك دعوات عدة للإلحاد. وأمام هذا الزحف الخطير على الدين وقف الإمام الصادق (ع) موقف المجابهة والمقاومة، ونشر العلم الصحيح. ركّز الإمام (ع) في حركته على تمتين وتقوية الأصول والجذور الفكرية والعلمية مع أخذ دوره الرسالي كمعصوم من آل بيت النبوّة (ع).
من كلماته (ع): «إحذر من الناس ثلاثة: الخائن والظلوم والنمّام، لأنّ من خان لك سيخونك ومن ظلم لك سيظلمك، ومن نمّ إليك سينمّ عليك». وأيضاً: «ثلاثة لا يصيبون إلاّ خيراً: أولو الصمت وتاركو الشرّ، والمكثرون من ذكر الله، ورأس الحزم التواضع. فقيل للإمام: وما التواضع؟ فأجاب: أن ترضى من المجلس بدون شرفك، وأن تسلّم على من لقيت، وأن تترك المِراء (الجدل) وإن كنت محقاً».
كانت وفاته رحمه الله سنة 148 للهجرة، وكانت حياته الشريفة حافلة بالأحداث الجسام، في فترة حسّاسة من التاريخ الإسلامي، وعهد يشكل منعطفاً هامّاً في مسيرة الحياة الإسلامية، طبعه (ع) بطابعه الشريف، حتى سمّي بحقٍّ «عصر الإمام الصادق»، كان عصراً اختلطت فيه المفاهيم، وتضاربت الآراء والمذاهب، يأخذ بعضها على كثرتها برقاب بعض، واحتاج الأمر إلى فيصل صدقٍ يميز خبيثها من طيّبها، فكان الإمام الصادق (ع) خير فيصل لهذا الأمر. ولا تزال تعاليمه ومواقفه إلى اليوم فيصل صدقٍ بين الحقّ والباطل ولا تزال كلماته وحكمه مناراً يهدي إلى سواء السّبيل.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق