• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الإمام الهادي (عليه السلام).. قيادة الفكر والمسؤولية

عمار كاظم

الإمام الهادي (عليه السلام).. قيادة الفكر والمسؤولية

هو الإمام عليّ بن محمد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليهم السلام أجمعين)، وكنيته أبو الحسن الثالث، وذلك تمييزاً له عن الإمام عليّ بن موسى الرِّضا (عليه السلام)، الذي يكنّى بأبي الحسن الثاني، وألقابه: «النجيب» و«النقيّ» و«الهادي» و«المتوكّل»، وأشهرها «الهادي»، وهو الإمام العاشر من أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، وُلِد في الخامس عشر من شهر ذي الحجّة في العام 212هـ في نواحي المدينة المنوّرة. وعاش الإمام الهادي (عليه السلام) في المدينة المنوّرة مع والده الإمام الجواد (عليه السلام) قرابة سبع سنوات، ولما حضرته الوفاة (عليه السلام)، نصّ على إمامة ابنه الهادي (عليه السلام). وكان مقصداً ومرجعاً لأهل العلم، وقد حفلت المراجع التاريخية بما أُثِر عنه من معارف وعلوم في الفقه والمناظرة والتفسير والحديث وغير ذلك.

لقد عاش الإمام الهادي (عليه السلام) كغيره من أئمّة آل البيت (عليهم السلام) للإسلام كلّه، حيث كان همّه أن يخرج الإسلام من قمقم الأنانيات والعصبيات التي تحاصره وتخنقه، وتغيّب مفاهيمه. لذا عمل، رغم قصر عمره الشريف، على تنقية الإسلام من كلّ التحريف والفهم الخاطئ لقيمه، فكان في كلّ مواقفه وحركاته وسكنات، يحاول إيضاح ما يهدف إليه الإسلام الصحيح، من بناء جيل إسلامي رسالي واعٍ ومنفتح على قضايا الإنسان والوجود، مؤمن بالعمق والمضمون، لا مجرّد ممارس للشكليات التي تسلب الشخصية قيمتها ودورها الحقيقي في البناء الإنساني والحضاري.

كانت حياته (عليه السلام) غنيّةٍ بكلِّ ما تحرّكت به إمامته في الرسالة الإسلامية التي كان يتنقل بها من موقع إلى موقع، وينفتح بها على جماعة هنا وجماعة هناك من أجل أن يؤصّل إسلامهم، ويعمّق إيمانهم بالله تعالى، وأن يجعلهم يتحرّكون في الحياة من موقع المسؤولية، لأنّ هذه هي رسالة الإمامة التي هي المظهر الحيّ لحركة النبوّة الرسالية. ولذلك، فقد كان الأئمّة من أهل البيت (عليهم السلام) يفيضون بالروحانية التي تجعل الإنسان يتحرّك في القيم الروحية التي ترتبط بالله وتحلّق في آفاق الروح بعيداً عن المادّة. وهذا ما ينبغي لنا أن نستوحيه ونستفيده من سيرة أهل البيت (عليهم السلام)، حتى نشعر، مع ما يفصلنا من القرون عنهم، بأنّهم يعيشون معنا، لا بأجسادهم ولكن بعلمهم وروحانيتهم وكلّ ما أعطوه من عطاء العقل والروح وما يرتفع بالحياة إلى أعلى مستوى.

قد كان للإمام الهادي (عليه السلام) نشاط واسع في تأكيد المفاهيم الإسلامية، وتعليم الناس الأحكام الشرعية، وتركيز قاعدة إيمانية ولائيّة شعبية ممتدّة في أكثر من بلد، فقد كان للإمام جهاز متحرِّك متنوّع يغطّي الكثير من أخبار الناس هنا وهناك، ويحمل تعاليمه إليهم بطريقةٍ دقيقةٍ جدّاً. وقد استطاع هذا الجهاز السير في هذا الخطّ، فجعل للإمام شعبية كبيرة لدى المسلمين ممّن كان يعتقد بإمامته، وممّن كان لا يعتقد بها، حتى خاف أصحاب السلطة على ملكهم منه، من خلال محبّة الناس لأهل البيت (عليهم السلام)، ومن ثقة الناس بهم، ومن إحساس الناس بقداستهم.

في هذه الذكرى الميمونة والمباركة لولادة الإمام علي الهادي (عليه السلام)، نستحضر تلك الشخصية الإسلامية التي جاهدت بالكلمة الطيِّبة والموعظة الحسنة لتبقى حاضرةً وحيّةً على الدوام، من خلال ارتباطها الواعي برموزها الذين ضحّوا من أجل عزّة الإسلام وكرامته، وبقائه حاضراً وقويّاً، ودعت إلى الله بأحسن دعوة، وجسّدت في عملها وحركتها كلّ أصالة الإسلام، وكلّ جوهر الدِّين، في ضبطه لإيقاع الناس والحياة.. فسلامٌ عليه يوم وُلِدَ، ويوم انتقل إلى جوار ربّه، ويوم يُبعث حيّاً.

ارسال التعليق

Top