• ٢٣ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٤ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الإنسان صانع التغيير

عمار كاظم

الإنسان صانع التغيير

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الروم/ 41). يؤكّد الله سبحانه وتعالى في هذه الآية، أنّ ما يحدث في العالم الإنساني كلّه، من فساد، على مستوى حركة الإنسان في كلِّ معاملاته وعلاقاته، وعلى مستوى الآلام التي تعاني منها المجتمعات، والخسائر التي تُصاب بها، والانهيارات التي تحدث فيها، يتحمّل مسؤوليته الإنسان، لأنّ الله سبحانه وتعالى قد رسم للإنسان خطّاً مستقيماً ينفتح على القيم الروحية التي تتحرّك في خطّ تقوى الله ومحبّته والإيمان به والخشية منه، وعلى القيم الأخلاقية التي تحكم حركة الإنسان في نفسه ومجتمعه وفي الأُمّة كلّها.. فالإنسان هو المسؤول عن كلِّ ما يحدث له في حياته العامّة والخاصّة من أوضاع. وعلى هذا الأساس، لا يمكننا كما يفعل البعض أن ننسب تلك الأحداث إلى الله بشكل مباشر، فالله سبحانه وتعالى هو وليّ الكون كلّه، وقد وضع للإنسان نظاماً يُصلح له حركته في الحياة، وأراد له أن يأخذ به ويلتزمه، ولكنّ الإنسان انحرف عنه، فكان نتيجة ذلك الفساد، مع علم الله سبحانه بما يحدث للإنسان.. فالإنسان هو صانع الفساد، وهو صانع الصلاح، ولذلك كانت دعوة الأنبياء أُممهم إلى أن يأخذوا بأسباب الصلاح والإصلاح، وهذا ما جاء في القرآن الكريم على لسان أحد الأنبياء (عليه السلام): (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ) (هود/ 88)، فأنا أريد أن أُصلحكم، وأن أجعل الصلاح هو الذي يسيطر على كلِّ مجتمعاتكم، لتكون مجتمعات خير وإنتاج وسلام.

وفي القرآن الكريم، نقرأ قول الله تعالى: (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد/ 11)، ليعرّفنا سبحانه أنّ الإنسان هو الذي يصنع التغيير، من خلال فكره الذي ينفتح على سلوكه وعلى علاقته بالناس وبالحياة كلّها، حتى إنّ الله تعالى قد يقدّر سلب النِّعَم عن الناس، سواء كانت نِعَماً في حياتهم الاقتصادية أو في حياتهم الأمنية أو الاجتماعية، في حال تغيّرت ممارساتهم العملية التابعة لأفكارهم، بحيث تصبح في خطّ الفساد وخط المآسي والانهيار، يقول تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الأنفال/ 53).. فالله يريد أن يقول للإنسان: غيّر نفسك تغيّر الواقع، لأنّ الواقع يتجسّد من خلال الفكرة الداخلية التي تحكم التخطيط الإنساني لطبيعة حركته في الحياة. وورد في هذا المجال أيضاً قوله تعالى: (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) (النحل/ 112).

وعلى ضوء هذا، لابدّ لنا في عملية الإصلاح العملي الواقعي من أن نُصلح العنصر الفكري للإنسان، بأن نغيّر الذهنية الإنسانية لتكون ذهنية خير لا ذهنية شرّ، ولتكون حركته حركة عدل لا حركة ظلم، وانطلاقته انطلاقة الاستقامة لا انطلاقة الانحراف.. فالإصلاح ضروري وطبيعي بين البشر، وهو موجود، ولكنّ توسعة دائرته أو تضييقها هي الأساس. فمن السهولة أن نجد مَن يدعو إلى الإصلاح ما بين أهل البيت الواحد أو الشارع الواحد، ولكنّ الصعوبة، هي في تحقيق الإصلاح بين الدوائر الأوسع والأكبر والأشمل. وهذا ما فعله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما كان يؤسِّس لدعوته ولدولة الإسلام، حيث كان التناحر الأصعب الذي يحتاج إلى مجهودٍ إصلاحي أكبر بين العشائر والقبائل، حيث الضغائن والصراعات التي كانت تؤدِّي إلى قطيعة وصراع دام يستنزف قدرات الطرفين على مدى عشرات السنين (حرب داحس والغبراء بين الأوس والخزرج وغيرها). لهذا كان همّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يوسِّع دائرة الإصلاح إلى حدّها الأوسع، لا على أساس ديني أو عرقي أو جغرافي، بل على أساس إنساني. كان (صلى الله عليه وآله وسلم) ينظر إلى أبعد من ذلك، لتكون المسؤولية الإصلاحية عن المجتمع أو الدولة والأُمّة، هي الأساس في النظرة إلى مفهوم الإصلاح، وكان هذا الطرح يومها جديداً بهذا البُعد الاستيعابي.

ارسال التعليق

Top