◄"لا أحد يتخذ من الإنصات مهمته".
كالفن كوليدج/ الرئيس الثلاثون للولايات المتحدة (1872-1933).
يجتهد كثير من الناس حتى يصلوا إلى الإنصات الجيِّد. لقد تعلمنا في المدارس كيف نتحدث ونقرأ ونكتب بصورة جيِّدة ولكن لم يعلمنا أحد كيف ننصت، مع أنّ الإنصات جزء حيوي من أجل التواصل مع الآخرين. وهو مفتاح النجاح الوحيد أثناء المقابلة الشخصية.
- ليست عنك:
وكأني أسمعك وأنت تقول: "ولكن أليست هذه المقابلة كلها عني؟ ألست أنا الشخص الذي يجب أن يتحدث معظم الوقت؟ أليس الممتحن يريد أن يسمع عن شؤوني؟".
إذا مازلت تعتقد أن ذلك صحيحاً. تذكر أنّ الشيء الوحيد الذي يريد الممتحن معرفته هو ما الذي يمكنك أن تقدمه له. ولكن كيف تعرف ما الذي يريده الممتحن؟ كيف تعرف الأمور التي تهم الممتحن؟ كيف تعبر عن مهاراتك وخبراتك باعتبارها منفعة للمتحن؟ كل ذلك بالإنصات.
ورغم أن ذلك قد يبدو بسيطاً بصورة كافية، إلا أنّه قد لا يكون من السهل تحديد الطريقة التي تصل بها إلى المعلومات التي تريدها من خلال مقابلة تقليدية. فغالبية الممتحنين يسيرون وفق منهج السؤال والإجابة أي أنّ الممتحن يسأل السؤال والمرشح يجيبه عنه. وفي ظل ظروف كهذه قد يبدو لك، كمرشح للوظيفة، عدم تحكمك في سير المقابلة الشخصية.
وقبل أن أبدأ في شرح مدى ما يمكن أن تمنحه لك مهارات الإنصات من التحكم في المقابلة الشخصية والثقة بالنفس، سوف أكشف لك عن سر صغير: غالبية الممتحنين غير مدربين بصورة كافية على إجراء المقابلات الشخصية. فغالباً ما يتولى المدير إجراء المقابلات الشخصية إعتماداً على حجم الشركة ونمو الأعمال ووضع ومستوى المرشح للوظيفة والعديد من العوامل الأخرى. وقد يجرى بعض هؤلاء المقابلات الشخصية بصفة شهرية، بينما يجرى آخرون منهم هذه المقابلات مرّة واحدة أو مرّتين في العام. ومهما كانت الخبرة التي أكتسبها الممتحن، فمن المهم أن تتذكر أن غالبية الممتحنين يعتمدون توظيف المرشح بناء على إحساسهم الداخلي.
الانطباعات الأولى هي الانطباعات المستديمة. والممتحن قد يكون يشاركك تماماً شعورك بعدم الارتياح، وذلك لأن نجاحه في النهاية يعتمد على اتخاذ قرارات التوظيف السليمة وعادة ما تكون هناك ضغوط لتعيين الموظف المناسب. وتؤدي قرارات التوظيف غير الصائبة وارتفاع تكلفة تغيير العمالة – التي قد تصل إلى أكثر من ضعفي الراتب السنوي للمرشح – من مصروفات التوظيف وتكاليف التدريب وهدر الوقت والإنتاجية وإنهاء الخدمة. وعلاوة على التكلفة النقدية لتغيير العمالة فإن استقدام العمالة بصورة غير صائبة يهدر الوقت ويعرض العمل للخسارة ويتسبَّب في الإحراج ويولد شعوراً سلبياً لدى العاملين. ومع ضعف تدريبهم على اتخاذ هذه القرارات ذات التكلفة العالية، يتخفى كثير من الممتحنين خلف ترسانة من الأسئلة لأنهم لا يعرفون ما يجب عليهم فعله عند ذلك.
ويدرك الممتحنون الأكفاء أهمية الإنصات الدقيق. فقد صقلوا مهاراتهم في الإصغاء وطوروا أسئلتهم بصورة تجعلهم يحصلون على أقصى ما يمكن من معلومات عن المرشح. وهم ينصتون بأعينهم وآذانهم ويلتفتون إلى لغة الجسد ووقفات الصمت وتواصل العيون والاختيارات اللغوية الدقيقة.
ومن السهل إدراك السبب في أهمية الإنصات بالنسبة للمتحن فما أهميته بالنسبة إليك كمرشح للوظيفة؟ وما علاقة مهاراتك في الإنصات بما يشعر به الممتحن نحوك؟
- مَن هو المنصت الجيِّد؟
المنصت الجيِّد هو من يجعل المستمع يشعر بالأهمية. المنصت الجيد هو مَن يقيم علاقة مع المتحدث، تلك العلاقة التي تولد مشاعر إيجابية عنك لدى المتحدث. بإعارة الممتحن اهتمامك المتواصل – من خلال الإنصات الدقيق – فإنّك تخلق بذلك جواً متبادلاً من الاحترام والاهتمام. وكلّما أصغيت له، يحس الممتحن بشعور طيب نحو نفسه ونحوك ونحو المقابلة برمتها. والهدف من ذلك كله هو خلق علاقة وثيقة حتى تشرع في إقامة تواصل حقيقي.
والإنصات عامل جيِّد في تحقيق النجاح – لا سيما أثناء المقابلة الشخصية. فهو يساعدك على اكتشاف المعلومات القيمة لدى الممتحن والأمور التي تهمه. وعندما تخلق جوّاً من الإنصات الإيجابي، يتولد شعور طيب لدى الممتحن تجاه الحديث معك، ويبوح بمعلومات يمكنك استغلالها في الحديث عن المنافع التي تتلاءم مع حاجاته المحددة.
وعليك أن تدرك أن هناك العديد من الأمور والعادات التي تشتت الذهن وتجعل من الإنصات أمراً صعباً:
- الرغبة في التحدث.
- تعذر السيطرة على التفكير المتواصل فيما يجب عليك أن تقوله في الخطوة التالية – بدلاً من الالتفات إلى ما يقوله الممتحن.
- إمعان التفكير في الأسئلة التي تدور في ذهنك.
- التركيز على بيئة المقابلة الشخصية والتي قد لا تشعر فيها بالراحة.
- العادات السيئة التي تعمل على تشتيت الذهن مثل قضم الأظافر والنقر بالقلم والقرع بالأصابع... إلخ.
والمبرر الأوّل والأكثر وضوحاً في وجوب الإنصات الجيِّد هو معرفة ما الذي يسأل عنه الممتحن ولماذا. ومرة أخرى قد يبدو هذا الأمر بسيطاً للغاية، ولكن قد لا يكون من اليسير دائماً معرفة الدافع وراء ما يطرحه الممتحن من الأسئلة.
ودعنا نلق نظرة على مثال من واقع الحياة. ففي كل مقابلة شخصية تقريباً، يكون السؤال المطروح على المرشح هو من قبيل: "أخبرني عن نفسك".
وإذا حاولت الإجابة عن هذا السؤال بصورة مباشرة فقد تتطرق إلى معلومات قد لا تهم الممتحن وتسهب في الحديث عنها. ومن المحتمل أنك لن تفعل سوى مجرد تكرار لسيرتك الذاتية. وإذا شرعت في الإدلاء بمعلومات معدة مسبقاً عن قدراتك وأهدافك وإنجازاتك، كما تنصح به كثير من الكتب الإرشادية عن اقتناص الوظائف، فقد لا تتناول الاحتياجات الفعلية للممتحن. تذكر أنّ الممتحن يسأل في الواقع عن: "ما الذي يمكنك أن تقدمه لي؟" لذلك، عندما تنتهي من استطراداتك تسأل نفسك ماذا حققت؟ لا شيء! وليس لديك فكرة عن:
- كيفية تناول احتياجات ورغبات الممتحن.
- الأمور المهمة لدى الممتحن.
- إحساس الممتحن بما طرحته من آراء.
- رأي الممتحن (لقد أصبحت تتحدث من واقع سيرتك الذاتية دون أن تميز نفسك عن الورقة التي تمثلك).
- كيفية ترجمة مهاراتك وخبراتك إلى منافع لها قيمتها لدى الممتحن.
لقد عدت مرة أخرى إلى حيث بدأت وهذا أفضل الظروف، أما أسوأها فهي أنك قد تسببت في تشتيت ذهن الممتحن تماماً. وكل ما يمكنك عمله بعد طرح هذه المعلومات السابقة هو انتظار ما سيأتي بعد ذلك. فليس من المهم مدى إجادتك في التعبير عن نفسك إذا كان الموضوع ليس بذي أهمية للممتحن.
لذلك دعنا نتناول الموضوع من زاوية أخرى يمكن أن تجعلك تشعر بالسيطرة على الوضع بصورة أفضل. يقول جاريد سباركس، أحد المؤرخين الأمريكان والرئيس السابق لجامعة هارفارد: "عندما تتحدث فإنك تكرر ما علمته بالفعل وعندما تنصت تتعلم في الغالب شيئاً جديداً". وإذا كنا نتعلم فقط في حالة الإنصات فإنّ العبارة النمطية التي تتصدر المقابلات الشخصية – ألا وهي "حدثني عن نفسك" – تستدعي استجابة غير نمطية. فبدلاً من الشروع في إجابة عشوائية أو حديث محفوظ عن ظهر قلب، جرب أن تقول مثل هذه العبارة: "أستاذ زيد أنا أعرف أن وقتك ثمين، فما هي الأمور التي تريدني أن أركز عليها؟".
وبذلك فأنت تضع الكرة في ملعب الممتحن مرّة أخرى. وها هو سر آخر: يحب الناس التحدث عن أنفسهم والممتحنون هم جزء من هؤلاء الناس. ومن ثمّ فمن قبيل التجديد بالنسبة للممتحن أن يجد الفرصة للتركيز على الأشياء التي يراها هامة بالنسبة إليه. والأهم من ذلك فإن إجابته سوف تعطيك فكرة أفضل عما يتطلبه الموقف من وجهة نظره، علاوة على التحديات والاهتمامات التي يواجهها. وإذا كنت مسلحاً بهذه المعلومات فإن بإمكانك أن تتحدث عن خبراتك (والتي تعتبر مزايا) وتختمها بالمنافع والتي تدرك الآن أهميتها بالنسبة للأستاذ زيد. ويجب أن يحدث ذلك كله في خلال خمس إلى عشر دقائق من بداية المقابلة. فليس لديك فرصة ثانية حتى تعطي انطباعاً جيِّداً من المرة الأولى.
وبسؤال واحد بسيط تكون قد ملكت زمام المقابلة الشخصية. فمن خلال تحديد الأمور الهامة بالنسبة للممتحن، تستطيع الآن توجيه طاقاتك ورودك لتناول حاجات ورغبات الممتحن. وبذلك يقل شعورك بالعصبية والتوتر وتزداد لديك في المقابل مشاعر الراحة والطمأنينة وتصبح أكثر فعالية على مدار الوقت المتبقي من المقابلة الشخصية.
وبمجرد أن تتناول الأمور التي تهم الممتحن بالدرجة الأولى من خلال طرحك لما تملكه من مزايا وما تختم به من منافع، توقف قليلاً كي تعرف ما الذي يمكن للممتحن أن يقوله في الخطوة التالية. فإذا طرح سؤالاً تعقيبياً فلابدّ أنك تعرف الآن كيف تجيب عنه. وإذا لم يطرح هذا السؤال فإن بإمكانك أن تسأل الممتحن إذا كان من الضروري أن تخوض في تفاصيل أكثر أو تنتقل إلى خبرات أخرى. وعند كل خطوة، انصت باهتمام إلى ردود الممتحن. ومع تقدم المناقشة سوف تواصل اكتشافك للحاجات المعينة التي تهم الشركة والممتحن وتتولد لديك القدرة على الرد من خلال طرح المنافع التي تتناول هذه الاحتياجات. ►
المصدر: كتاب (كيف تنجح في مقابلات العمل؟)
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق