• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الإنفاق في سبيل الله/ ج2

جمعية المعارف الإسلامية

الإنفاق في سبيل الله/ ج2

 

عن الإمام زين العابدين (ع): "إنّ من أخلاق المؤمن الإنفاق على قدر الإقتار".

 

الهدف:

بيان بركات الإنفاق وآثاره والأمور التي ينبغي الاحتراز عنها عند الإنفاق.

 

المقدمة:

لاشكّ أنّ الإنفاق في سبيل الله من أكبر التحدّيات التي يعيشها الإنسان في حياته لما لها من آثار دنيويّة ظاهرة على مستوى تودّد الناس للمنفق وتحبّبهم إليهم وإظهار الاحترام والتقدير وغيرها من الأمور التي يمكن للإنسان أن يستثمرها في كسب مصالح دنيوية ومناصب خاصّة، لظاهر أنّ المنفق إنسانٌ يشارك الناس في ماله، ولذا يعمد الشيطان إلى إبرازها له وتزيينها في عقله وقلبه حتى يحجب عنه الدوافع الإلهية والمحفّزات الشرعية التي عليها تترتّب بركات الأجر والثواب ورفيع الدرجات في الآخرة وجمال الاسم والسمعة في الدنيا.

 

فيما يبطل الإنفاق:

قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) (البقرة/ 264).

فالمنّة على السائل وأذيته لا ينسجمان مع مفهوم الإنفاق أساساً الذي اعتبر الله تعالى أنّ السائل هبة الله للإنسان وبابه إلى الثواب وسبيله لاكتساب الدرجات وشموله بالمغفرة الإلهية، قال تعالى: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة/ 262).

قال تعالى: (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى) (البقرة/ 263).

 

فضل إنفاق المقتر:

والإنفاق ليس حكراً على أهل اليسر والأغنياء، بل فتح الله باب ثوابه للموسرين والمقترين على حدّ سواء، بل حثّ المقتر على الإنفاق واعداً إيّاه بعظيم الأجر، فعن الإمام الصادق (ع): "ثلاث مَن أتى الله بواحدة منهنّ أوجب الله له الجنّة: الإنفاق من إقتار، والبشر لجميع العالم، والإنصاف من نفسه".

وعن رسول الله (ص): "ثلاثة من حقائق الإيمان: الإنفاق من الإقتار، وإنصافك الناس من نفسك، وبذل العلم للمتعلّم".

 

التحذير من كنز المال:

فكنز المال بنظر الشرع معصيةٌ يعاقب الله عليها يوم القيامة لأنّه تصرّف في المال في غير الوجهة التي أرادها الله، بل في الوجهة المعاكسة لإرادة الله، ولذلك استحقّ كانز المال العقاب الأليم، قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) (التوبة/ 34-35).

وعن رسول الله (ص): "مَن أوكى على ذهب أو فضة، ولم ينفقه في سبيل الله، كان جمراً يوم القيامة يكوى به".

وعنه (ص) يحذّر من كنز المال خشية الفقر ففي روايةٍ أنّه قال لبلال وعنده صبر من تمر: "ما هذا يا بلال؟ قال: أعدّ ذلك لأضيافك، قال: أما تخشى أن يكون لك دخان في نار جهنم؟! أنفق يا بلال، ولا تخشَ من ذي العرش إقلالاً".

وفي سيرته الذاتية كان ينهى عياله عن إبقاء الطعام من يومٍ لآخر، فعن أنس بن مالك: أهديت للنبيّ (ص) ثلاث طوائر (طيور)، فأطعم خادمه طائراً، فلمّا كان من الغد أتته بها، فقال لها رسول الله (ص): "ألم أنهك أن ترفعي شيئاً لغد! فإنّ الله يأتي برزق غد".

 

من لا تقبل نفقته:

والإنفاق فريضةٌ ينبغي أن تتلازم مع الإيمان بالله ورسوله وأداء الفرائض وسلامة النيّة عند المنفقين لأموالهم فقد قال تعالى: (قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ * وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلا وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنْفِقُونَ إِلا وَهُمْ كَارِهُونَ) (التوبة/ 53-54).

ولا يكون مال الإنفاق إلّا من خير المال وأصفاه حلالاً فلا يقبل الله مالاً جُمع من حرام أو شبهات، فعن الإمام الصادق (ع): "لو أنّ الناس أخذوا ما أمرهم الله به فأنفقوه فيما نهاهم عنه ما قبله منهم، ولو أخذوا ما نهاهم الله عنه فأنفقوه فيما أمرهم الله به ما قبله منهم، حتى يأخذوه من حقّ وينفقوه في حقّ".

وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) (البقرة/ 267).

فعن الإمام الصادق (ع) في قوله تعالى: (أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ): "كان القوم قد كسبوا مكاسب سوء في الجاهلية، فلمّا أسلموا أرادوا أن يخرجوها من أموالهم ليتصدّقوا بها، فأبى الله تبارك وتعالى إلّا أن يخرجوا من أطيب ما كسبوا".

ونفس المعنى نقرأه عن الإمام الباقر (ع) لمّا سُئل عن قوله تعالى: (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ)، قال: "كان الناس حين أسلموا عندهم مكاسب من الربا ومن أموال خبيثة، فكان الرجل يتعمّدها من بين ماله فتصدّق بها، فنهاهم الله عن ذلك، وإنّ الصدقة لا تصلح إلّا من كسب طيّب".

 

آثار الإنفاق:

1-  ذخيرة يوم القيامة: قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (البقرة/ 254).

2-  ظلٌّ يوم القيامة: فعن رسول الله (ص): "أرض القيامة نار ما خلا ظلّ المؤمن، فإنّ صدقته تظلّه".

3-  مرتبة البرّ: قال تعالى: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) (آل عمران/ 92).

وعن الإمام الصادق (ع) وقد قيل له، وكان يتصدّق بالسكّر، أتتصدق بالسكّر؟ فقال: "نعم، إنّه ليس شيء أحبّ إليّ منه، فأنا أحبّ أن أتصدّق بأحبّ الأشياء إليّ".

وعن أمير المؤمنين (ع): "أنّه اشترى ثوباُ فأعجبه فتصدق به".

4-  الأجر الكبير: قال تعالى: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة/ 274).

وعنه (ص): "مَن أعطى درهماً في سبيل الله كتب الله له سبعمائة حسنة".

وعن الإمام عليّ (ع): "الصدقة تنمى عند الله".

5-  البركة وقضاء الدين: فعن عليّ (ع): "إنّ الصدقة تقضي الدين وتخلف بالبركة".

6-  حسن الخلف على الولد: عن الإمام الصادق (ع): "ما أحسن عبد الصدقة إلّا أحسن الله الخلافة على ولده من بعده". وعن عليّ (ع): "إذا قدّمت مالك لآخرتك واستخلفت الله سبحانه على مَن خلّفته من بعدك، سعدت بما قدّمت، وأحسن الله لك الخلافة على مَن خلّفت".

 

المصدر: كتاب زادٌ وجهادٌ في شهر الله

ارسال التعليق

Top