• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الإيمان بالملائكة من صفات المؤمنين

أسرة البلاغ

الإيمان بالملائكة من صفات المؤمنين

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) (البقرة/ 285).

لقد جعل الله الإيمان بالملائكة من صفات المؤمنين، وقد أشارت هذه الآية إلى أنّ الإيمان بهم مرادفٌ للإيمان بالله وكُتُبه ورُسُله، في الوقت الذي اعتبرت مَن يكفر بالملائكة هو في ضلال بعيد، فقال تعالى: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيدًا) (النساء/ 136).

إنّنا بحاجة إلى بناء هذا الإيمان في نفوسنا؛ أن نبنيه على ركائز ثابتة صحيحة، حتى لا يشوبه أيّ انحراف، أو يدخل إليه أيّ تحريف، كما قد يحصل عند الإيمان بالأُمور الغيبية غير المحسوسة، حيث قد تختلط الحقيقة بالخيال والخرافات، وهذا يحصل بالعودة إلى المصادر الصحيحة التي جُعلت بين أيدينا، من كتاب الله، وما ثبت من أحاديث رسول الله (ص) والأئمّة (ع)، فهي الطريقة الوحيدة للإيمان بالملائكة، والتعرُّف إلى خصائصهم ومميزاتهم.

ميزة الملائكة

وقد أشارت هذه المصادر إلى أنّ أبرز ما يتميز به الملائكة، علاقتهم بالله وعلاقة الله بهم. وقد ورد في الحديث عنهم قوله تعالى: (بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) (الأنبياء/ 26-27). وقال في آية أُخرى سبحانه: (لا يَعْصُونَ اللهِ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (التحريم/ 6).

فالملائكة عباد مكرمون عند الله في منازل عالية، وهم ليسوا كالبشر يتحرّكون بإرادتهم واختيارهم، بل بناءً على أوامر توجَّه إليهم، وهم فيها يطيعونه ولا يعصونه أبداً.

وإلى ذلك، أشار الإمام عليّ (ع): «وملائكة خلقتهم وأسكنتهم سماواتك، فليس فيهم فترة، ولا عندهم غفلة، ولا فيهم معصية، هم أعلم خلقك بك، وأخوف خلقك منك، وأقرب خلقك منك، وأعملهم بطاعتك، لا يغشاهم نوم العيون، ولا سهو العقول، ولا فترة الأبدان».

ولذلك، لا صحّة لأحاديث يُروَّج لها البعض عن عدم تنفيذ أحد الملائكة، واسمه فطرس، أمر الله، فغضب عليه وكسر لذلك جناحه، ولم يتب عليه حتى تمرَّغ بفراش الحسين (ع)، وهو منذ ذلك الوقت، وفاءً للإمام الحسين (ع)، يحمل إلى الحسين سلام مَن يسلّمون عليه!

وميزة أُخرى للملائكة، أنّهم لا يكلّون عن تسبيح الله وحمده وتقديسه وعبادته، ولا يسأمون من ذلك، كما بيّن الله سبحانه ذلك في قول الملائكة: (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) (البقرة/ 30). وفي ذلك قوله سبحانه: (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ) (الأنبياء/ 20).

والملائكة في خصائصهم الذاتية، خُلقوا من طينة غير طينتي البشر والجنّ، فهم خُلقوا من نور، فيما خلق الإنسان من طين، والجنّ من نار. وقد أشار الله إلى أنّ لها أجنحة، عندما قال: (الْحَمْدُ لِلهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (فاطر/ 1).

وقد اختلف المفسّرون في طبيعة هذه الأجنحة؛ هل هي أجنحة يستعينون بها على الحركة والفعالية في تنقّلهم، أم إشارة إلى مراتبهم، بحيث تتحدَّد مرتبة كلّ منهم بعدد أجنحته.

وقد ورد عن الإمام الصادق (ع): «لملائكةُ اللهِ في السماوات أكثر من عدد التراب في الأرض، وما في السماء موضع قدم إلّا وفيها ملك يسبّحه ويقدّسه، ولا في الأرض شجر ولا مدر إلّا وفيها ملك موكل بها».

والملائكة، كما هو واضح لدينا، لا يُرَون ولا يُحسّون ولا يمسّون. نعم، قد يتمثّلون، وبأمر الله، على هيئة بشر، كما حدث مع السيِّدة مريم، والذي أشار إليه الله: (فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا) (مريم/ 17).

أدوار متعدِّدة

وقد أسند الله سبحانه وتعالى للملائكة أدواراً متعدِّدة في حياة الإنسان، منذ أن أوجده الله، وفي كلِّ مراحل حياته، فقد لبّى الملائكة أمر الله سبحانه وتعالى لهم بالسجود لآدم، فهم لم يتردَّدوا ولم يعترضوا، كما فعل إبليس الذي كان من الجنّ، ولم يكن من الملائكة، وإن كان ملحقاً بهم، فقد أبى واستكبر (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ) (ص/ 73-74) وقد أودع الله في الملائكة الودّ للإنسان، عندما أمرهم أن يستغفروا لأهل الأرض جميعاً. وإلى هذا، أشار الله سبحانه: (وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأرْضِ أَلا إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الشورى/ 5).

وهذا الودّ هو الذي يحملونه لرسول الله (ص)، والذي أخبرنا به الله عندما قال: (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (الأحزاب/ 56).

والملائكة لهم دور الرقابة، فقد أودع الله لكلّ إنسان مَلكين موكلين بالرقابة عليه، يتولّيان كتابة أعماله، وهو الذي أشار إليه الله سبحانه: (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (ق/ 17-18). (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) (الانفطار/ 10-12).

وقد أشار الإمام الصادق (ع) إلى الهدف من وجودهما، فقال: «استعبدهم بذلك، وجعلهم شهوداً على خلقه؛ ليكون العباد لملازمتهم إيّاهم أشدّ على طاعة الله مواظبة، وعن معصيته أشدّ انقباضاً، وكم من عبدٍ يهمّ بمعصية، فذكر مكانهما؛ فارعوى وكفّ، فيقول: ربّي يراني وحفظتي عليَّ بذلك تشهد. وكلّهم بعباده يذبّون عنهم مردة الشياطين، وهوام الأرض، وآفات كثيرة من حيث لا يرون بإذن الله، إلى أن يجيء أمر الله».

وهم خلال وجودهم على كتفي الإنسان، كما أشارت الأحاديث، يفرحون عندما يفعل الحسنات، ويدعون له بالمزيد، فيما يحزنون لفعله السيِّئات، ويتمنون لو لم يفعل ذلك ولم يكتبوها. ولذلك، عندما يفعل الإنسان السيِّئة، يقول صاحب اليمين لصاحب الشمال الذي يكتب السيِّئات: لا تكتب عليه السيِّئة، فلعلّه يستغفر. فلا يكتبها إلى سبع ساعات، فإذا لم يستغفر كتبها.

الملائكة في الأحاديث

وهناك حضور للملائكة عند كلّ عمل خير، وهذا ما أشارت إليه الأحاديث.

فقد ورد في الحديث: «ما من يوم يصبح العباد فيه، إلّا مَلكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللّهُمّ اعطِ مُنفِقاً خلفاً ـ يعني أبدل الباذلين والمتصدِّقين خيراً من وراء ذلك ـ ويقول الآخر: اللّهُمّ اعطِ ممسكاً تلفاً».

وفي الحديث: «إنّ العبد ليمشي في حاجة أخيه المؤمن، فيوكّل الله به مَلكين؛ واحداً عن يمينه، وآخر عن شماله، يستغفران له ربَّه، ويدعوان بقضاء حاجته».

وفي الحديث: «ما من رجلٍ يعود مريضاً ممسياً، إلّا خرج معه سبعون ألف مَلك يستغفرون له حتى يصبح... ومَن أتاه مُصبحاً، خرج معه سبعون ألف مَلك يستغفرون له حتى يُمسي».

وفي الحديث: «إذا كان يوم الجمعة، وقفت الملائكة على باب المسجد يكتبون الأوّل فالأوّل... فإذا خرج الإمام، طووا صُحُفهم، ويستمعون الذكر».

وقد أشار الله إلى أنّه يأمر الملائكة بالوقوف مع الإنسان عند الشدائد، وفي الظروف الصعبة، وفي المعارك: (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ) (الأنفال/ 12).

وعن النبيّ (ص): «وما من عبدٍ يصلّي عليَّ، إلّا صلّت عليه الملائكة مادام يصلّي عليَّ».

وفي الحديث: «مَن بات طاهراً، بات معه مَلك، فلم يستيقظ إلّا قال المَلك: اللّهُمّ اغفر لعبدك، فقد بات طاهراً».

وفي الحديث: «مَن دعا لمؤمن بظهر الغيب، قال المَلك: ولك مثل ذلك».

ارسال التعليق

Top