• ٢٠ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٨ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الإيمان.. زيادة في المعرفة

عمار كاظم

الإيمان.. زيادة في المعرفة

الحديث عن الإيمان بشكل عام ليس بالأمر السهل، فإنّ الكثير من المؤمنين ربّما يقعون بالشرك الخفي دون أن يشعروا... ومن هنا، قال الإمام عليّ (عليه السلام) في إحدى خطبة: «وكمال توحيده الإخلاص له، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه». إنّ الإنسان يشعر بقلبه بحرارة هذا الإيمان ويتذوق طعمه، وتشتد حرارة الإيمان كلّما اقترب الإنسان أكثر من الخلوص، وقد عبّر سبحانه عن هذا الحبّ في كتابه الكريم: (وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) (الحجرات/ 7).

ومن هنا، فإنّ صدقك في الإيمان هو أن لا تذكر الله عندما تذكره، أو تسمع ذكر الله عندما تسمعه، تماماً كما تذكر أيَّ اسم لأيِّ إنسان أو لأيِّ شيء، أو كما تسمع أيّ اسم، فلا يهتزّ قلبك، ولا يخشع عقلك، ولا يخضع كيانك، فالله تعالى يقول: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) (الأنفال/ 2)، كما توجل القلوب عندما تخضع لذكر العظيم، وهذا ما نلاحظه أمام الذين نتمثَّل عظمتهم في القوّة في الواقع، حيث نشعر بالرهبة وبالخوف وبالوجل عندما يذكرون، ألا يُقال بأنّ فلاناً يرتجف الناس من ذكر اسمه، من جهة بطشه وقوّته وقدرته! في حين عبَّر أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) عن المؤمنين الذين يعيشون هذا الإحساس بالوجل أمام الله من خلال الشعور بعظمة الله، حيث يقول: «عظُم الخالق في أنفُسهم، فصغُر ما دونه في أعيُنهم»، فلقد تمثَّلت عظمة الله في النفس، بحيث ملأت كلّ وجدان الإنسان، فلم يرَ أحداً عظيماً قبال عظمة الله سبحانه وتعالى، بل عندما دخل في مجال المقارنة، رأى أنّ الآخرين صغار صغار. فإذا كان الله يحصر المؤمنين في هؤلاء، فعلينا أن نعمل على تربية عظمة الله في نفوسنا، بالتفكّر في مواقع العظمة وفي مواقع النِّعمة، وفي الإحساس بالفقر المطلق فينا إلى الله الغنيّ المطلق عنّا، وأن نمارس ذلك ذكراً وعبادةً وفكراً وما إلى ذلك.

(وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً) (الأنفال/ 2)، إذا تُليت عليهم آياته الكونية وآياته القرآنية، بحيث إنّ إيمانهم يتحرّك ويتطوّر ويزيد من خلال زيادة المعرفة، فكلّما عرفت الله من خلال آياته أكثر، عرفت عظمته على أساس ما تفهمه من أسرار هذه الآيات أكثر، وهذا ما عبَّر عنه الله تعالى في قوله: (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ) (آل عمران/ 191) وينتهون إلى النتيجة (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ) (آل عمران/ 191)، فنحن نستوحي من ذلك عظمتك ونستوحي عبادتك (فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (آل عمران/ 191). وهكذا (إِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ) آيات القرآن، من خلال النور الذي يشرق من كلّ آية (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ) (المائدة/ 15)، (يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) (المائدة/ 16)، وهو الهدى، فعندما تُتلَى عليهم آياته، فإنّها تزيدهم إيماناً، لأنّها تزيدهم معرفةً بالله سبحانه وتعالى، ومحبّةً له وخوفاً منه.

إنّ المعرفة هي الضوء الذي ينير الإنسان في كلِّ عناصر شخصيته، ليتحرك على أساس الضوء لا على أساس الظلمة، والجهل ظلمة فكرية وروحية وعملية.. وتطبّق المعرفة من خلال «الطاعة»، فالمؤمن هو الذي يطيع الله في كلِّ ما أمره به، وفي كلِّ ما نهاه عنه. و«العلم» في ما ينفتح به الإنسان على مفرداته، في اكتشاف أسرار الكون في خلق الله سبحانه وتعالى، وكلّ ما أفاض الله به على الناس ممّا ينظّم أُمورهم. و«العلم»، في كلِّ مجالاته، هو الذي يكشف للإنسان كلّ ما يحتاجه في الحياة، ممّا ينظّم أمره، وممّا يصلح حياته. و«العمل»؛ لأنّه لا قيمة للعلم من دون عمل، فالعمل هو الذي يجعل من العلم تجسيداً حيّاً في الواقع كلّه. و«الورع» عن محارم الله سبحانه وتعالى، فمن لا ورع له لا إيمان له؛ لأنّ الإيمان بالله يجعلك تخافه، ويجعلك تحبّه، ويجعلك ترجوه، فيدفعك ذلك إلى الورع عن محارمه. و«الصبر» و«اليقين» بما يعنيه من الوضوح و«التسليم والرضا»، بقضاء الله. أمّا التسليم، فهو من أُسس الإيمان؛ لأنّ التسليم لله هو عمق الإسلام وامتداداته، وقد قال تعالى حكايةً عن إبراهيم (عليه السلام): (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) (البقرة/ 131).

تعليقات

  • 2021-05-29

    Fahed ALMansouri

    الاستاذ الكريم عمار, قرأت بعض ما كتبتم وقد أعجبني كثيرا وحبذا لو أذنتم لنا بالتواصل معكم. وجزاكم الله خيرا

ارسال التعليق

Top