وقد أكّد الحق جلّ وعلا أنّ الابتلاء لامحالة واقع ولا مناص عنه لتحقيق العبودية لله، ولأخذ الأهبة لمواجهة حوادث الدنيا ومكدراتها: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) (محمّد/ 31). إنّ الله عزّ وجل ليتعاهد عبده المؤمن بالبلاء كما يتعاهد الرجل أهله بالخير، ولم يترك الخالق جلّ وعلا العبد في هذه الحياة دون توجيه، بل أمده بسبل الهداية وأنزل الكتب وأرسل الرسل، قال تعالى: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) (الإنسان/ 3)، فحاله الاتباع والشكر أو الضياع والكفر، وهو في دنياه هذه في كدح وكبد وشدة ومشقة ومغالبة مع ظروف حياته ومعاشه: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي كَبَدٍ) (البلد/ 4)، (يَا أَيُّهَا الإنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ) (الإنشقاق/ 6)، ومع هذا الكدح يحصل الاصطدام بالآخرين، مع اختلاف الطبائع والغرائز والصفات، سمع رجل رجلاّ يقول لصاحبه: لا أراك الله مكروهاً، فقال: كأنك دعوت على صاحبك بالموت، إن صاحبك ما صاحب الدنيا فلابدّ أن يرى مكروها، فمن عقل عمد إلى كدحه فجعله لزيادة راحته وفلاحه في الدنيا مع احتفاظه بحظه الأوفر في الآخرة: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً) (البقرة/ 201)، وقد يأتي الابتلاء من أقرب الناس إليك من أهلك وصحبك وزملاء عملك، فتجد منها الجفاء وسوء الخلق، فاصبر لذلك وفتش في أمرك وحاسب نفسك لعلك قارفت ذنباً فعاجلك الله بعقوبته: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) (الشورى/ 30)، ويحصل في الابتلاء خير في التنقية من الشوائب في تكفير الذنوب وكسب الثواب، قال رسول الله (ص) في شأن المؤمن: "وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له". وقال (ص): "من يرد الله به خيراً يصب منه".
وما من حادثة إلا ولها ما يقابلها، ولا يبقى حال ويدوم كما هو، فإن أحسنا الصبر في معاملة البلوى كفينا شرها ووقينا أثرها.
فكر بما أوتيته وفقده غيرك، واحمد الله عليه وأعن صاحبك على تجاوز ما هو فيه، واعلم بان الطباع لا تتغير بلحظة أو كلمة فعمر طويل في ممارسة طبع خطأ لا يتوقع تغييره دون مجاهدة ومعاناة.►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق