◄يعتبر الخيال بمثابة مطلب ضروري من مطالب الإبداع، ويساعد الحلم بغض النظر عن كونه حلم يقظة أو حلم نوم على المرور بالعتَبَة الإنتقالية التي تتوسط بين عالَميْن، عالم المجهول وعالم المعلوم.
يقسم الناس بين خياليين وواقعيين.. وبين ماديين وروحانيين. وقد يتعدى الواحد منا خياله إلى الحلم.. فيحلم وهو نائم.. ويحلم وهو مستيقظ وقد تطول أحلام اليقظة لتتحول إلى وهم لا يميز بين الحقيقة والخيال في حالة مرَضية تحتاج إلى مساعدة. فعلاوة على أنّ النوم ضروري للجسم والعقل ولتجديد الخلايا بأنواعها بما فيها الدماغية فإن له فوائد أخرى تنتج عن الأحلام المصاحبة للنوم العميق، إذ يتسنى لبعض المفكرين والعلماء والمبدعين بأنواعهم أن يعثروا على الحلقة المفقودة والحبكة المطلوبة في سلسلة أعمالهم وما قد يتدرج منها صعوداً إلى مستوى الابداع خلال أحلامهم وهذه حقيقة توصل لها علماء النفس. فمثلاً توصّل أشهر الموسيقيين العالميين مثل موزارت إلى تفاصيل مقطوعاتهم عبر أحلام نومهم.. حتى أن كتاب دكتور جايكل ومستر هايد للكاتب الأسكتلندي روبرت لويس تولدت فكرة كتابته أثناء نومه، وأيضاً مبتكر آلة الخياطة (إلياس) اكتشف ميكانيكية تعبئة الخيط بإبرة الخياطة وهو غارق في نوم عميق. حينما تتراكم الأفكار في العقل وتجثم على الصدر ولا تجد لها متنفساً للخروج من قوقعتها، يرزح صاحبها تحت ثقل وضيق يُفرج عنه عبر عملية مخاض توصله إلى النبع المطلوب فتتدفق مياهه علماً وأدباً وشعراً وفناً. باختصار حالات انشغال الذهن هذه تتراوح بين خفيفة ومتوسطة إلى عالية الحدّة.. ومن أجل ذلك قد يعاني المبدعون أثناء مرورهم بحالات مستمرة من مخاض وولادة بين سهلة ومتعسرة حيث يعتبر الخيال بمثابة مطلب ضروري من مطالب الإبداع، ويساعد الحلم بغض النظر عن كونه حلم يقظة أو حلم نوم على المرور بالعتَبَة الإنتقالية التي تتوسط بين عالَميْن، عالم المجهول وعالم المعلوم.. فالإبداع قبل أن يولد يكون مجهولاً ويحتاج إلى الاسترخاء والتأمُّل كاثنين من طقوس استنباط الابداع المهمة وصولاً إلى ان يصبح معلوماً. مع ذلك يبقى من واجب القول ان لكل منا أسلوبه في الوصول إلى هذه المرحلة من التأمل إلا أننا نكاد نُجمع بأنّ الهدوء هو أحد متطلبات الاسترخاء.. هدوء الزمان وهدوء المكان وهدوء الناس، بما فيها إغلاق الحواس أمام مصادر تعكير هذا الهدوء النفسي ووضع الموانع على دروبها. فالهدوء يساعد على انسياب الأفكار بمرونة عبر منابعها لتجري بعدها متألقة فتلتقي قطعها المتناثرة مكملة بعضها في عِقْد من الأفكار الثمينة الخالية من العُقَد والتعقيد، مدركين حقيقة قيمة بأن ليس كلّ إنسان خيالياً أو حالماً بمبدع وليس كلّ مبدع بمنتِج. مساحات التأمل والاسترخاء المتوافرة أثناء يقظة المبدع أو نومه تساعد على انبثاق الحلول والأفكار، وليس المقصود هنا تشجيع النوم المغلف بكسل التمطي والتثاؤب وعدم الانتاجية ولا التوقف عن العمل والتفكير والتجربة وانتظار طاقة الفرَج المتأتية من وحي النوم القادم بالإجابات التي نعجز عن الوصول لها في يقظتنا. فالأجوبة القادمة مع الأحلام لا تتأتى عادة من فراغ وليست متاحة للجميع بل نتيجة لتراكمات فكرية وعملية ومخاضات متتالية يُكافأ بها أصحاب الفكر والتفكير ممن اختمرت في رأسهم الأفكار والتصورات والفرضيات والباحثين دوماً عن كلّ مبتَكر وجديد، هنا فقط يحف وحي الأفكار عبر مسافات الحلم متجاوزاً محطاتها هادياً المجتهدين من المبدعين والمفكرين إلى ثمرة تفكيرهم للعثور على الحلقة المفقودة والوصول إلى الحبكة المطلوبة عبر تفاعل كيمياوي يتم بين خلايا الدماغ النشيطة والعامرة بكل ما هو مفيد.►
المصدر: مجلة بغداد/ العدد 41 لسنة 2012م
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق