التدليل يفسده ويدمر علاقته بإخوته
حب الآباء للأبناء حب غريزي عظيم لا يضاهيه حب، لأنّه قائم على الرعاية والاهتمام والإيثار، فالأب والأُم لا يترددان لحظة في افتداء أبنائهم بأنفسهم وأرواحهم، ولكن في كثير من الحالات يفضل الآباء بعض أبنائهم على البعض الآخر، وخصوصاً البكر، سواء كان ذكراً أو أنثى، ويعتبرونه أوّل هدية وأوّل فرحة لهم، غير هذا الاستثناء الذي يجعل البكر سارقاً للفرح، يجعله أيضاً صانعاً للغيرة وربما العداوة بينه وبين أشقائه.
بداية يتحدّث المصوّر التلفزيوني محمّد فؤاد قائلاً: الأبناء نعمة كبيرة من الله سبحانه وتعالى، وقد وهبني الله ولدين رائعين هما زياد وآدم، وفي الواقع لا أستطيع أن أحكم أيهما أحب أكثر، وأظن أنّ الأب لا يفرق في حبه بين الأكبر والأصغر، فالبكر يأخذ من الاهتمام والرعاية قدراً كبيراً حتى يصل إلى مرحلة يمكن أن يعتمد فيها على نفسه بقدر ما، وعندما يصل الطفل الثاني ينتقل الاهتمام والرعاية إليه بشكل طبيعي لأنّه هو الأحوج إليهما، ولكن إحقاقاً للحقّ يظل الابن البكر يحتفظ بتجربة المشاعر الغامرة التي كانت تحيط به، كما يظل الأب والأُم يتذكران هذه التجربة، فهو يذكرهما بأوّل كلمة بابا وأوّل بسمة طفل، وأوّل خطوة، وكلّ هذا يكسب الأب والأُم الخبرة اللازمة لتربية الإخوة التالين والتعامل معهم.
أحب الغائب:
أما بثينة الصيرفي فتقول: إنّ عاطفة الأمومة الجياشة لا تفرق بين أكبر طفل وأصغر طفل، لأنّ الأبناء لهم المحبة ذاتها، ولهم القدر نفسه من الحب وإن اختلف مقدار الاهتمام والرعاية حسب حاجة كلّ طفل إلى ذلك، وهذا بفضل عوامل سن الطفل وخبرته ومهاراته وقدراته الشخصية، فقد يحتاج طفل إلى رعاية أكبر من الآخر، أو تعزيز في نقاط معينة من شخصيته، وقد لا يحتاج أخوه إلى ذلك، وإن كنت لا أنكر أنّ هناك بعض العائلات تفضل الابن الأكبر، خصوصاً إذا كان ذكراً، وتعطى له بعض الصلاحيات والامتيازات دون باقي إخوته، ولكن ينتشر هذا النموذج في الصعيد أكثر من المدن والحضر في الوجه البحري، حيث إنّ تقاليد الصعيد تخص الأبناء من الذكور عموماً بالكثير من التفضيلات حتى في أبسط الأشياء كالطعام والشراب والملبس، وصولاً إلى الميراث وتقسيم الأراضي والعقارات، فهم يعتبرون الابن الأكبر بمثابة الأب الثاني، أو امتداد للأب والجدود، ويحق له ما لا يحق لأشقائه، وخصوصاً إذا كانوا إناثاً.
فرحة لا يضاهيها شيء:
حسام عبد المنعم، مذيع، يؤكد أنّ للطفل الأوّل، سواء كان بنتاً أو ولداً، فرحة لا توصف ولا تماثلها فرحة، فهو أو هي أوّل قطعة يراها المرء منه تمشي على الأرض، وهذه الفرحة تجعل محبة الطفل الأوّل كبيرة، خصوصاً إذا كان الحفيد الأوّل للعائلة، فهذا يجعل مكانة هذا الطفل مميزة أيضاً لدى الجد والجدة والأعمام وسائر العائلة، وطبيعة الأشياء دائماً أنّ أوّل شيء يحظى باهتمام غير مسبوق، وكذلك يحظى الطفل الأوّل بحنان وتدليل لا حدود لهما بداية من الاحتفال بقدومه وإقامة الأفراح والحفلات له، والتي قد لا تقام لغيره من الأبناء الذين يأتون بعده، أو قد يكون الأمر بعدها مكرراً أو تقليدياً، أما الطفل الأوّل فنجد العائلة كلّها تستعد له من قبل ولادته بتجهيز الملابس الخاصة به وغرفته وألعابه وسريره، وحين يصل إلى الحياة نجد أنّ الجميع حينها يبدو مهتماً بصحته ومداعبته، وعندما يكبر شيئاً فشيئاً يزداد حب المحيطين له، وكبر معه وحوله هذه المشاعر في الغالب، فيكون الابن الأكبر صديقاً للأب وسنداً له في مواجهة تحديات ومتطلبات الحياة، وكذلك البنت الكبرى حيث تعتبر أُماً ثانية وكثيراً ما يتحمل الأبناء الكبار المسؤولية مع آبائهم وأمهاتهم حتى في تنشئة ورعاية أشقائهم الأصغر منهم سناً.
اسم على مسمى:
محمّد محمود، صحفي وأب لاثنين من الأطفال، يقول: ابنتي كانت لي اسماً على مسمى، فقد أنارت حياتي بهجة وفرحاً، وأصبحت ابتسامتها تدل على معنى الحياة الحقيقي حتى بعد أن رزقني الله أخاها ياسين. وأنا أعتقد حقاً أنّ الابنة الكبرى هي حبيبة أبيها، ولكن هذا لا يقلل أبداً من حبي لابني لأنّ قدر الحب واحد، ولكن ارتباط ابنتي بي يزيدني تعلقاً بها وحباً لها، خصوصاً أنّها أصبحت في سن تحاكيني وتلازمني في كثير من الأوقات، وأعتقد أنّي ووالدتها أيضاً نجحنا في تنمية شعورها بالمسؤولية تجاه أخيها، لأنّها ترعاه وتحنو عليه وتعلمه، فأراه وهو يقلدها ويبحث عنها إذا غابت، وهكذا من الضروري أن ننمي علاقة الأخوة والمحبة بين الأبناء حتى لا تترسخ الغيرة بينهم، ويحدث ما لا تحمد عقباه.
أمّا اختصاصية الطب النفسي للأطفال د. حكمت ناجي، فتشرح لنا كيف يتسبب أحياناً اهتمام الأب والأُم الزائد بأحد الأطفال دون إخوته في مشكلات نفسية كثيرة للإخوة وللطفل المدلل على حد سواء، وتقول: حين يدرك الطفل أنّه مميز عن بقية إخوته يستغل هذا بشكل خاطئ فيحصل على ما ليس له أو على أكثر من حقّه مادياً ومعنوياً، ومن ثمّ ينظر إلى إخوته نظرة دونية تنعكس في العلاقة بينه وبينهم، ما يولد روح الحقد والغيرة لدى الأبناء الآخرين قد تصل أحياناً إلى درجة من الكراهية والحقد، أو الرغبة في اختفاء هذا الأخ، ولنا في قصة سيدنا يوسف وإخوته عبرة وآية، والواقع لا يقول إنّه ليس فقط الابن البكر هو من يحظى بكلّ الحب، بل في الغالب يكون الطفل الأصغر هو المدلل أكثر من الجميع، وصاحب الطلبات المجابة، وهناك نموذج آخر للتفضيل هو الذكر الوحيد بين الإناث، أو حتى العكس البنت الوحيدة وسط إخوة ذكور. وتضيف د. حكمت ناجي قائلة: لقد حثنا ديننا الحنيف على لسان سيد الخلق عليه أفضل الصلاة والسلام على العدل والمساواة بين الأبناء، وذلك للمخاطر الجسيمة التي قد يدثها التمييز في الحب والتدليل، فالأبناء جميعهم سواء ولابدّ أن يحصلوا على القدر نفسه من الاهتمام والرعاية.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق