الإنسان في الرسالة الإسلامية لا تبرر له رسالة بحال النكوص عن واجبه كإنسان رسالي، فهو في رحاب الرسالة ليس فرداً مستقلاً بذاته، وإنّما هو فرد مندمج في رسالة يستجيب لمطالبها، ويفي بالتزاماته نحوها، ويضحي إذا حزب الأمر من أجلها.. وما فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله وغيرها إلّا ترجمة صادقة لهذه الروح التي يفيضها الإسلام على أتباعه، بيد أنّ هذه المسألة تتناسب تناسباً تصاعدياً مع ارتقاء المرء في الخطّ المثالي للرسالة الإلهية.
والحسين (عليه السلام) باعتباره شبل عليّ (عليه السلام) وحفيد النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، ووليد الرسالة، كان صفحة نقية من صفحات الرسالة، وترجمة حيّة لكلّ منطلقاتها وتصوّراتها، الأمر الذي جعله أوّل مُلبٍ لنداء الرسالة في عصره ليفي بذلك بالتزاماته نحوها، وهكذا كان...
على أنّ وفاءه (عليه السلام) نحو شريعة الله تعالى كان يفضل سلوك منهج الثورة، ولا سبيل سواه بدون الثورة لا يرتجى أي إصلاح، وبيان ثورته (عليه السلام) الأوّل يجسّد هذه الحقيقة بكلّ مدلولاتها الإيجابية: «إنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالماً، إنما خرجت لطلب الإصلاح في أُمّة جدي محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، فمن قبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ»، أطلق عنوان الإصلاح الذي أطلقه الأنبياء، وانطلق ليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
وعندما أراد القوم من الحسين (عليه السلام) أن يخضع للاشرعية، وينزل على حكم هؤلاء الذين سيطروا على إمارة المسلمين، قال لهم: «لا والله، لا أعطيكم بيدي إعطاء الذّليل، ولا أقرّ إقرار العبيد»، «ألا وإنّ الدّعيّ ابن الدّعيّ قد ركز بين اثنتين؛ بين السلّة والذلّة، وهيهات منّا الذلّة! يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون». وهكذا وقف الحسين (عليه السلام) في رسالية الإسلام وعزّته وحرّيته، وفي كلِّ ما يريد الإسلام أن يؤكِّده في هذا المقام، وأعطى من ثورته وحركته وتضحياته واستشهاده، كلَّ ما يعزِّز موقع الإسلام.
لقد كان الإمام الحسين (عليه السلام) يحبّ الله تعالى كما لم يحبّه أحد، وينفتح على الله كما لم ينفتح عليه أحد، كان كأبيه (عليه السلام)، يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله، ونزل في كربلاء ليعطي البشرية درساً كيف يمكن للرسالي أن يبقى مع رسالته حتى الاستشهاد.
فالإمام الحسين (عليه السلام) هو الإمام المصُلح والمنقذ والثائر، والقائد الإسلامي الذي أكّد العزَّة في خطِّ الرسالة، فهو في الوقت الذي كان يواجه الأُمّة بالرسالة في مضامينها العقيدية والثقافية والشرعية، كان يريد أن يرتفع بالإنسان، ولا سيّما المؤمن، إلى أن لا يخضع في إرادته لأيّة قوّة تريد أن تسقط إرادته، أو تريد أن تستغل موقعه في بعض حالات التحدّي، لتفرض عليه ما لا يريد أن يقبله. وبعبارة أخرى، أراد أن يرتفع به إلى أن لا يخضع للاشرعية، لأنّ الله أراد للإنسان أن يكون مع شرعية الإمامة والقيادة والإسلام، فلا شرعية لمن لا يملك معنى الإمامة وعظمة القيادة ورسالية الإسلام.
لذلك علينا أن نجعل من ذكرى الإمام الحسين (عليه السلام) ثورة في حركة الإنسان، من أجل العزّة والكرامة والدفاع عن الإسلام كلّه، هذا هو الانتماء الحقيقي إلى خطّ الإمام (عليه السلام) وإلى ثورته العظيمة. إنّ القضية هي أن نجدّد رسالة الحسين في كلِّ رسالاتنا، ونجدّد قضية الحسين في كلِّ قضايانا، لنقول له: «إن لم نجبّك بأجسادنا ودمائنا، فإنّنا نجيبك بأرواحنا وعقولنا وقلوبنا، لكي نبقى معك يا أبا عبد الله في رسالتك وثورتك وشرعيتك، سنبقى معك ومع جدّك وأبيك، وأُمّك وأخيك، والأئمة من ولدك وبنيك».
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق