• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الانفتاح على الشهر الأصبّ

عمار كاظم

الانفتاح على الشهر الأصبّ

شهر رجب، هو الشهر السابع من شهور السنة الهجرية، وهو من الأشهر الحرم، قال تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) (التوبة/ 36). إنّ الأشهر الحرم من الأوقات الكريمة عند الله تعالى، حيث تستدعي من العبد أن يبذل قصارى جهده للتحلي بالمسوؤلية من أجل تأكيد تجارته الرابحة مع الله. وسُمّي بالشهر الأصبّ، حيث تصب فيه الرحمة على العباد صبّاً، وهو شهر الله تعالى، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «ألا إنّ رجبَ شهرُ اللهِ، وشعبانُ شهري، ورمضانُ شهرُ أُمّتي. فمن صامَ يوماً من رجب إيماناً واحتساباً، استوجبَ رضوانَ اللهِ الأكبرَ، وأسكُنَ الفردوسَ الأعلى». فلابدّ من أن نعدّ أنفُسنا روحياً وخلقياً، حتى نكون فعلاً من عباد الله الذين يقبلون على ربّهم بقلوب نظيفة صافية طاهرة، وعقول منفتحة، ومشاعر لا تحمل إلّا الرحمة والمحبّة للآخرين.

وممّا جاء في كُتُب الأدعية في فضل شهر رجب وأعماله من الصوم والاستغفار والتسبيح وطلب التوبة وغير ذلك، حيث رُوِي عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «إنّ رجب شهرُ الله العظيم، لا يقاربُهُ شهرٌ من الشهور حرمةً وفضلاً، والقتالُ مع الكفّارِ فيه حرامٌ، ألا إنّ رجبَ شهرُ اللهِ، وشعبانَ شهري، ورمضانَ شهرُ أُمّتي. ألا فَمَن صام من رجب يوماً، استوجب رضوانَ اللهِ الأكبر، وابتعد عنه غضبُ اللهِ، وأُغلِق عنه بابٌ من أبواب النار»، وبالتأكيد يشمل أيضاً الإيمان والورع والصِّدق. وعن الإمام موسى بنِ جعفر (عليه السلام) قال: «مَن صام يوماً من رجب تباعدت عنه النارُ مسيرَ سنةٍ ومَن صامَ ثلاثةَ أيّامٍ وَجَبَت له الجنّةُ». وقال (عليه السلام) أيضاً: «رجب نهرٌ في الجنّةِ أشدُّ بياضاً من اللبنِ وأحلى من العسلِ، مَن صامَ يوماً من رجب، سقاهُ اللهُ عزّوجلّ من ذلك النهر». وعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): رجب شهرُ الاستغفار لأُمَّتي، فأكثروا فيه الاستغفارَ فإنّه غفورٌ رحيم. ويُسمّى رجب الأَصبّ، لأنّ الرحمةَ على أُمّتي تصبُّ فيه صَبّاً، فاستكثروا من قول: أستغفرُ اللهَ وأسألهُ التوبةَ».

روى ابن بابويه بسند معتبر عن سالم قال: «دخلتُ على الصادق (عليه السلام) في رجب، وقد بَقِيَت منه أيّامٌ، فلمّا نظر إليَّ قال لي: يا سالم، هل صمتَ في هذا الشهر شيئاً؟ قلت: لا واللهِ يابنَ رسول الله، فقال لي: فقد فاتك من الثواب ما لم يعلم مبلغَه إلّا اللهُ عزّوجلّ. إنّ هذا شهرٌ قد فضَّلَه اللهُ وعظَّمَ حُرمتَهُ وأوجبَ للصائمين فيه كرامتَه. قال: فقلت له: يا ابنَ رسول الله، فإن صمتُ ممّا بقي منه شيئاً؛ هل أنا أفوزُ ببعض ثوابِ الصائمين فيه؟ فقال: يا سالم، مَن صام يوماً من آخرِ هذا الشهرِ كان ذلك أماناً من شدّةِ سكراتِ الموت، وأماناً له من هولِ المطّلع وعذابِ القبر، ومَن صامَ يومينِ من آخرِ الشهرِ، كان له بذلك جوازٌ على الصراط، ومَن صامَ ثلاثةَ أيّام من آخر هذا الشهر، أمِنَ من يومِ الفَزَعِ الأكبرِ من أهواله وشدائده، وأُعطي براءةً من النار. واعلم أنّه قد ورد لصوم شهرِ رجب فضلٌ كثيرٌ، ورُوِي أنّ مَن لم يقدر على ذلك، يُسبِّح اللهَ في كلِّ يوم مِائة مرّة بهذا التسبيح لينالَ أجرَ الصيام فيه: سبحان الإله الجليلِ، سبحان مَن لا ينبغي التسبيحُ إلّا له، سبحان الأعزِّ الأكرمِ، سبحان مَن لَبِسَ العِزَّ وهو له أهلٌ».

ختاماً، فلتكن قلوبنا في هذه الأيّام مشغولة بذكر الله، ولنصفّها من كلّ الموبقات، ولنجعلها مولعة بالخير والرحمة والمحبّة، حتى تعود طاهرة نقية.. فلتكن أوقاتنا فيه فرصة لتركيز التآلف والمحبّة، وإشاعة أجواء التراحم والتواصل والتكافل.. فليكن هذا الشهر فرصتنا للنهل من هذه النِّعم والآلاء الروحية والأخلاقية، فنحن أحوج ما نكون إلى التزوّد منها، لنواجه بها شهوات الحياة وزخارفها وأطماعها. فهنيئاً لمن أحيا هذا الشهر بالعبادة والتهجّد والدُّعاء والذِّكر والصدقة وبذل الخير وصيانة النفس وتطهيرها من كلّ سوء.

ارسال التعليق

Top