• ١٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٩ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

البعد العالمي لعيد الأضحى المبارك

عمار كاظم

البعد العالمي لعيد الأضحى المبارك

عيد الأضحى هو يومُ التضحية بكلّ الأنانيات والأحقاد، حیث یضحي المسلمون في الحجّ، وهو يومُ التكافل فيما بينهم، يحنو أغنياؤهم على فقرائهم، وأقوياؤهم على ضعفائهم، سواء كانوا أفراداً أو جماعاتٍ، أحزاباً أو دُولاً؛ فالمُسلِم للمُسلِم «كالبيان المرصوص يشدُّ بضعُهُ بعضاً»، و«المسلمون في توادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم كالجسد الواحدِ إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الأعضاء بالسَّهر والحمّى». في هذه المناسبة، نتذكّر ذكرى حجّة الوداع للرسول الأكرم محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، هذه الخطبة الجامعة المليئة بالدروس والعِبَر، ومنها التمسّك بكتاب الله والعترة الطاهرة: «وقد تركت فيكم ما إن تمسّكتم بهما فلن تضلّوا بعدي أبداً؛ كتاب الله وعترتي أهل بيتي»، «أيّها الناس، إنّ دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربّكم، كحرمة يومكم هذا، وكحرمة شهركم هذا، وإنّكم ستلقون ربّكم فيسألكم عن أعمالكم..»، إلى آخر الخطبة الشريفة. عید الأضحى هو رمز للوحدة، يستمرُّ في كلِّ مسيرة الحجّ، المسار واحدٌ، والهدف واحدٌ، والقبلة واحدة، حتى الانتقال بين مشعَرٍ وآخر (مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ) (البقرة/ 199)، أي انطلقوا من حيث أفاض الناس، في مسيرة ربّانية تتّجه بكم إلى ما يريد الله لكم أن تصلوا إليه من تقواه ، فلا يصحّ أن يشذَّ حاجٌّ عن الناس؛ وهكذا كان مشهد الحجّ دورة تدريبية على تفعيل عناصر الوحدة بين المسلمين، ليصبح تنوّعهم مظهر غنىً يوحي بالعزّة، ويملؤه الإيمان والعبودية لله. فالحجّ يعلِّم الناس أن يتلاقوا وينتفعوا من كلّ الغنى والتنوّع الذي أودعه الله تعالى في الأُمّة، وأن يتعالوا على كلّ الفروقات والحواجز بينهم، والتي تعقّد حياتهم، فإذا ساروا في خطّ الإيمان فلن يكون لأي فروقات من معنى واعتبار. وعندما يجتمع الناس في الحجّ يجب أن تسقط كلّ الحواجز المادّية والنفسية التي تضعها الفواصل العرقية واللونية والقومية بين الناس، ليلقوا على صعيد واحد هو الإيمان بالله والسير على نهجه والالتزام بدينه والجهاد في سبيله طلباً لرضاه، ممّا يوفِّر لهم الخروج من الدوائر الضيِّقة التي يحبسون حياتهم فيها لينطلقوا إلى الدائرة الكبيرة التي تحتويهم جميعاً، والتي تؤسّس لقضاياهم الإسلامية وارتباطها بالهدف الكبير الذي يتحرّك فيه الإسلام في الحياة.

كي نشعر بفرحة العيد، علينا تنقية قلوبنا، وفتح مداركنا على الحقّ، لنتعرف أين نحن من توحيد الله وطاعته، وأين نحن من العودة الطوعية المخلصة إليه، والتي تفترض إنساناً مؤمناً بحقّ، يسعى إلى تكريس لغة الحوار والتواصل، وتأكيد روح التضامن والتكافل في المجتمع، إنساناً لا يعرف غير مشاعر الرحمة والمحبّة، ويتحرّك بين الناس بكلّ ما يصلحهم وينفعهم ويغنيهم.. العيد هو أن تعود أيّامك ولياليك، وأنت لم تعصِ الله في شيء، وهكذا ينبغي أن تكون أعيادنا، والتي هي مواسم فرح، باعتبار أنّها مرتبطة بفترات عبادية زمانية كشهر رمضان، ومكانية كالحجّ، وقد تكون غير ذلك، كالأعياد الباقية، كيوم الجمعة ونحو ذلك، وهي أيّام فرح وسرور، ولكنّه الفرح والسرور الذي يرتبط برضا الله تعالى، ولا يرتبط بما يكون إلى زوال من متاع الدُّنيا وزخارفها، وبعيداً من تحصيل رضا الله. وسُمِّي العيد عيداً من العود والتجدّد، أي ما يعود بعد ذهابه، فكأنّ الأيّام تروح وتجيء، وبالتالي فهي تعود.

ارسال التعليق

Top