• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

التربية الجسدية

أسرة البلاغ

التربية الجسدية
إنّ القصد من التربية الجسدية هو تهيئة الأرضية لنمو ومراقبة الجسد وتأمين وتوازن القوى البدنية التي تسيّر الفعاليات الحياتية، فهو مقدمة من أجل التربية المعنوية والروحانية للإنسان.

أنّ تقديم البعد الجسماني ليس دليلاً على أولوية قيمته، بل هو انسجام مع الطريق الطبيعي لخلق الإنسان الذي يبدأ من البناء البدني ويرتقي إلى المراحل الأخرى. يقول في شرح مراحل خلق الإنسان من تراب ونطفة وعلقة حتى يتهيأ البدن إلى إفاضة الروح فيه: (ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ) (المؤمنون/ 14)، ومن بعده يولد ويطوي تدريجياً مراحل النمو حتى يتهيأ للتربية العقلية والعلمية والأخلاقية: (ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ) (الحج/ 5).

ولهذا فإنّ أول خطوة في تربية البعد الجسدي تبدأ حين الولادة، وقد أشار القرآن إلى هذا البعد التربوي: (وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) (الإسراء/ 24)، فبقرينة صغيراً يتبادر البعد الجسدي أو على الأقل فإنّ مصداقه الأولي هو التربية الجسدية.

يطرح الإسلام إرشادات بخصوص المسائل التربوية لهذه المرحلة في مورد التغذية السليمة والصحة والعادات المرتبطة بالمسواك والاستحمام ونظافة البدن؛ اللباس والمسكن، النوم والاستراحة، الترفيه، وحتى التربية البدنية ومسابقة الفروسية والرماية إلى جانب النمو وتحمل المسؤولية للمتربي، وقد عنونها الإسلام بالآداب والسنن والواجبات والمستحبات والأطعمة والأشربة والسبق والرماية، وغيرها روايات كثيرة وصلتنا عن الرسول (ص) وأئمة الهدى (عليهم السلام).

لقد امتزجت التربية الجسدية في الإسلام بالتعاليم الدينية وبعض التكاليف العبادية، فقال النبيّ الأكرم (ص): "النظافة من الإيمان"، واعتبر الإمام الرضا (ع) أنّ النظافة والطهارة من أخلاق الأنبياء وقال: "من أخلاق الأنبياء التنظف"، وقال الإمام الباقر (ع): "ركعتا صلاة مع المسواك أفضل من سبعين ركعة بدون مسواك"، وجاء في السيرة المباركة للنبيّ الأكرم (ص) أنّه كان ينظر في المرآة ويسرح شعره. ويوجد شواهد كثيرة حول الصحة والسلامة وتربية الجسد في الحديث والسيرة.

وقد أكّد الإسلام على تربية البدن السالم وعلى صحة الجسد إلى حد أنّه في مورد الاضطرار ومن أجل حفظ الروح جاز ترك الواجب والعمل بالحرام، وقد شخص الفقه الإسلامي حدود ذلك، فمن أحد الشروط في التكاليف الإسلامية سلامة البدن، ولهذا فكلما كان أداء التكليف مثل الغسل والوضوء والصوم مثلاً مضراً للجسد فإنّه يتنزل من مقدار الواجب وأحياناً يسقط التكليف وأحياناً يتحول إلى القضاء أو النيابة: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) (البقرة/ 184).

بالإضافة إلى ذلك فإنّ الكمال المعنوي والشخصية الروحانية للإنسان إنما يتم من خلال العمل والجهاد والعبادة التي يقوم بها الإنسان للتقرب إلى الله، ولا يحصل منه ذلك إلّا بهذا الجسد الترابي، وبدونه لا يتحقق التكامل الروحي.

على هذا، فإنّ تربية الجسد وما يتعلق بالحياة المادية والدنيوية، هي في نظر الإسلام مقدمة من أجل هدف أسمى، هو سلامة النفس وهدوء الروح وتأمين السعادة الأبدية التي يجب أن لا تتلوث بنزعة تربية البدن وطلب اللذة.

ولذلك كلما سبب حفظ البدن والمنافع المادية نكسة للقيم المعنوية، كان حفظ هذه القيم الإلهية والإنسانية ينحصر بالتضحية وحتى بالقتل، ولقد جرى التأكيد على مسألة الجهاد والتضحية بالمال والروح على أنّه تكليف سام، وهذا نفسه يبين امتزاج أبعاد التربية الإسلامية برعاية أصل "الأهم والمهم" في نظام القيم الإسلامية.

ارسال التعليق

Top