• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

التقصير ‌لا‌ يجبره إلّا غفران الله

عمار كاظم

التقصير ‌لا‌ يجبره إلّا غفران الله

‌عاد الحديث مع الله ‌في‌ صورة تقرير عمّا قام ‌به‌ المؤمنون ‌في‌ هذا الشهر ‌من‌ واجباته ‌و‌مستحباته ‌و‌استغفار عمّا قصّروا فيه ‌من‌ ذلك، ‌و‌تطلّع إلى شهر رمضان جديد ‌في‌ استعداد لطاعات جديدة، ‌و‌قيام كامل شامل بحقّ الله فيه.

 أنا أهل هذا الشهر- ‌يا‌ ربّ - فقد عشنا حياتنا ‌في‌ داخله ‌و‌وعينا كلّ عناوين فضله، ‌و‌كلّ مواقع الخير فيه، ‌و‌كلّ عناصر الشرف فيه ‌في‌ ‌ما‌ يكتسبه الذين يعيشون فيه ‌من‌ ذلك، ‌و‌كلّ حظوظ التوفيق فيه.. ‌و‌قد التزمناه بكلّ قوّة ‌و‌إخلاص ‌و‌وعي، ‌في‌ الوقت الذي كان هناك فريق ‌من‌ الناس الذين جهلوا معناه فلم يعيشوا روحه، ‌و‌لم يلتزموا بمسؤوليته ‌و‌لم يأخذوا ‌من‌ فضله بما دعوتهم إليه ‌من‌ ذلك، ‌و‌قد كان صيامنا له فرصة للتطهر، كما كان قيامنا فيه فرصة للسمو إلى درجات القرب إليك، ‌و‌لكنّنا لم نبلغ مستوى الكمال ‌في‌ ذلك، فقصّرنا عن الوصول إلى الدرجة العليا ‌من‌ معناه، ‌و‌لم نبلغ الحجم الذي أردنا ‌أن‌ نحصل عليه ‌من‌ الأعمال الكثيرة التي حشدتها ‌في‌ مسؤوليات هذا الشهر.

وها‌ نحن - في‌ نهاية المطاف - نقف ‌في‌ مواقع حمدك لنؤكّد معنى العبودية لك ‌في‌ وجودنا، لنعترف لك بالإساءة ‌في‌ ‌ما‌ أذنبناه فيه، ‌و‌ بالإضاعة ‌في ‌ما‌ قصّرنا فيه، ‌و‌لن نستطيع التخلص ‌من‌ واقع التقصير لأنّك ‌لا‌ تُعبد ‌حقّ‌ّ عبادتك، مهما بلغ العباد ‌من‌ ذلك.. فلك منّا الإراده القوية ‌و‌التأكيد الشديد ‌من‌ عمق قلوبنا ‌في‌ ‌ما‌ نستشعره ‌من‌ الندم العميق على ‌ما‌ قصّرنا فيه، ‌و‌من‌ حركة ألسنتنا ‌في‌ الاعتذار الصادق الذي ينطلق ‌من‌ صدق القرار ‌في‌ التغيير.

 ‌وإذا كان ذلك تعبيراً عن موقف الإيمان الحقّ ‌في‌ ‌ما‌ أردت ‌به‌ عبادك أن‌ يتحسسوا الندم ‌في‌ قلوبهم ‌و‌الاستغفار ‌في‌ ألسنتهم، فإنّنا نطلب منك الأجر الجزيل ‌من‌ عطائك ‌و‌كرمك، لنحصل على التعويض عمّا فاتنا ‌من‌ الأجر ‌في طاعتك، ‌و‌على المغفرة ‌في‌ ‌ما‌ أذنبنا فيه ‌من‌ أعمالنا.. وإذا غاب شهر رمضان عنّا، ‌في‌ هذه الفرصة ‌من‌ العمر، فهيىء لنا فرصة جديدة ‌في امتداد أعمارنا إلى رمضان جديد الذي نريده شهراً تتضاعف فيه طاقاتنا ‌في‌ حركة الطاعة ‌في‌ حياتنا، ‌و‌تشتد فيه الإرادة للوصول إلى مستوى القيام بحقّك بعونك، ‌و‌تنفتح فيه خطواتنا على الدرب الذي يؤدي بنا إلى مواقع القرب منك، حتى نحصل ‌من‌ ذلك على تدارك ‌ما‌ فاتنا ‌من‌ الأعمال ‌في‌ الشهر الماضي ‌و‌ما‌ نبلغه ‌من‌ الأعمال الصالحة ‌في‌ الشهر المقبل.

عن أيّ صوم نتحدّث؟! فإذا لم تقلع النفس عن الخضوع لعصبيّاتها وأحقادها وجهالاتها، فلن تستفيد من زمن الصوم ودروسه بشيء، فالصوم هو في الأساس لتثبيت تقوى الله في النفوس، وتربيتها على الخير والحقّ والعدل. ومن أبرز وجوه التقوى في الحياة، رفع الظلم عن العباد، وانتهاج الحق والتمسك به، وعدم المهادنة فيه مهما كانت الأثمان. من هنا، علينا الإسراع في محاسبة نفوسنا، ومراجعة ما عليه قلوبنا، وما تحمله من مشاعر، بغية أن نصلح ما يمكننا إصلاحه، والخروج من الشهر الكريم ونحن عازمون على أن نكون أصحاب القلوب الطاهرة النظيفة التي اختارها تعالى موضعاً لرحمته وفضله وبركاته.

فمن وجوه الشّقاء وحرمان الغفران في هذا الشهر الفضيل، أن نبقى أصحاب قلوب مريضة معقّدة، لا تحمل إلّا بغضاً وكرهاً وحقداً على الآخرين، وتسبب الألم والشقاء لهم، فما بين المحبّة والرحمة والخير، وبين الكره والحقد والضغينة، على المرء المؤمن أن يميّز ويختار.

ارسال التعليق

Top