• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

التكافل نظام تربية للفرد والمجتمع

عمار كاظم

التكافل نظام تربية للفرد والمجتمع

رُوِي عن الحسين (عليه السلام): «والله، لا يكون المؤمن مؤمناً حتى يكون لأخيه مثل الجسد، إذا ضرب عليه عرق واحد تداعت له سائر عروقه». التكافل الاجتماعي جزء من عقيدة المسلم والتزامه الديني، وهو نظام أخلاقي يقوم على الحبّ والإيثار ويقظة الضمير ومراقبة الله عزّوجلّ، ولا يقتصر على حفظ حقوق الإنسان المادّية، بل يشمل أيضاً المعنوية؛ وغايته التوفيق بين مصلحة المجتمع ومصلحة الفرد.

وقد عُني القرآن بالتكافل ليكون نظاماً لتربية روح الفرد، وضميره، وشخصيته، وسلوكه الاجتماعي، وليكون نظاماً لتكوين الأُسرة وتنظيمها وتكافلها، ونظاماً للعلاقات الاجتماعية، بما في ذلك العلاقة التي تربط الفرد بالدولة، وفي النهاية نظاماً للمعاملات المالية والعلاقات الاقتصادية التي تسود المجتمع الإسلامي. ومن هنا فإنّ مدلولات البرّ، والإحسان، والصدقة، تتضاءل أمام هذا المدلول الشامل للتكامل. قال الله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ) (البقرة/ 215). وقال الله عزّوجلّ: (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (البقرة/ 195).

إنّ الإيمان ليس قضية فلسفية مجرّدة، أو مجرّد علاقة بين الفرد وربّه بعيداً عن توجيه أنشطته، وممارسته، وعلاقاته اليومية؛ ففي الإيمان يتمّ ربط الفكر بالفعل، والنية بالحركة والسلوك القويم. وقد نفى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كمال الإيمان عن الذي يبيت شبعان وجاره جائع، وهو يعلم: «ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع، وهو يعلم».

وقد عدّ القرآن الإمساك وعدم الإنفاق سبيلاً للتهلكة، بقوله سبحانه وتعالى: ﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾. كما عدّ الكنز وحجب المال عن وظيفته الاجتماعية، مدعاةً للعذاب الأليم. وليس هذا فحسب، بل رتّب المسؤولية التقصيرية أيضاً على الإنسان الذي يعطِّل سُبُل الكسب وفرص العمل مهما ادّعى الصلاح. وجعل دخول النار في حبس هرّة عن طعامها، بل ودخول الجنّة في إعانة الحيوان لسدِّ حاجته.

ولقد وضع القرآن أُسساً نفسيةً وأُخرى مادّية، لإقامة التكافل الاقتصادي والاجتماعي بين أفراد المجتمع الإسلامي. ولعلّ من أهمِّ الأُسس النفسية هو إقامة العلاقات المادّية والمعنوية على أساس الأخوّة، لقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ (الحجرات/ 10). وربط الإيمان باستشعار حقوق الأخ، كما رتّب على رابطة الأخوّة الحبّ؛ فلا يؤمن الإنسان المسلم، ولا ينجو بإيمانه، ما لم يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه، ويعِش معه كالبنيان، يشدّ بعضه بعضاً. وجعل العدل وحفظ الحقوق من قيم الدِّين الأساسية، بل نُدب إلى عدم الاقتصار على العدل وهو إحقاق الحقّ، أو إعطاء كلِّ إنسان حقّه من دون ظلم، وإنّما الارتقاء إلى الإحسان، وهو التنازل له عن بعض الحقوق. ومن الأُسس النفسية أيضاً الإيثار، وهو عكس الأثرة والأنانية. والإيثار تفضيل الآخر على النفس، من أجل إشاعة جوّ العفو والرحمة، وهي الغاية التي جاءت من أجلها الشريعة.

لقد وضع القرآن أُسساً عامّة في علاقة الفرد بالمجتمع، ووضع لكلِّ طرف حقوقه وواجباته للنهوض من أجل إتمام مكارم الأخلاق، وإشاعة الودّ والحبّ والوئام في ربوع المجتمع الإنساني. ومن جملة حقوق المجتمع على الفرد والأُسرة، هو التعاون على البرّ والتقوى، قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) (المائدة/ 2).

وأمر القرآن الكريم بالإحسان إلى أفراد المجتمع: (وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً) (النِّساء/ 36).

وقد جعل الإسلام كلّ مسلم مسؤولاً، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «كلّكم راعٍ، وكلّكم مسؤول عن رعيته»، ودعا (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الاهتمام بأُمور المسلمين، فقال: «مَن أصبح لا يهتم بأُمور المسلمين، فليس بمسلم».

ودعا الإمام الصادق (عليه السلام) إلى الالتصاق والاندكاك بجماعة المسلمين، فقال: «مَن فارق جماعة المسلمين قيد شبر، فقد خلع رِبْقَة الإسلام من عنقه».

ارسال التعليق

Top