• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

التهاون بالوقت مثل الذهب الضائع

سهير عدنان

التهاون بالوقت مثل الذهب الضائع

·      قيمة الوقت في حياة الإنسان:

من أنت أيها الإنسان الضعيف القوي؟ أيها الخائف الشجاع؟ من أنت الذي اجتمعت فيك الأضداد؟ أنت مجرد أيامٍ وساعاتٍ ودقائق وثوانٍ.

"يا ابن آدم! إنما أنت أيام، إذا ذهب يومٌ، ذهب بعضك". (الحسن البصري)

ولعل أهم ما يميز الناجحين: نظرتهم لمعنى الوقت، فالناجح يتمنّى لو يشتري أوقات الآخرين، أو يزيد على يومه أياماً.. وبالمقابل هناك من يرون أنّ اليوم هو للنوم واللّهو، وكلّ يوم يشبهُ أخاه، فلا إنجاز ولا تفكير في المستقبل.. ولما لهم إلّا الشَّكوى من الفراغ القاتل..

"الإنسان الطَّموح يتمنّى لو كان يومه (48) ساعة، والكسول يبرر تقاعسه بوقت الفراغ، والحقيقة: أنّه لا يوجد ما يسمّى بوقت الفراغ، إنما هو مجرد وهمٍ يعيشه فقط من لا يريد أن يفعل شيئاً". (د. بدر صادق)

أغلب الناس يعيش وهو يظن أنّه يستطيع تأجيل أي شيءٍ، ومهما  كان مهمّاً إلى وقتٍ آجلٍ، ونسي أنّ الحياة سنوات معدودة فيها أشهر وأيام، وهذه الأيام ما هي إلّا ساعات ودقائق، لهذا على المرء أن يتفكر جادّاً بقيمة الوقت..

"أعمارُ أمَّتي ما بينَ السِّتِّينَ إلى السَبعينَ، وأقلُّهُم مَن يَجُوزُ ذلك". (حديثٌ نبويٌّ شريفٌ).

فلنفترض: أنّ العمر سبعون سنة؛ وبناءً على هذه الفرضية، فوقت الإنسان في المتوسط مع الاختلاف بين الناس يتوزع يومياً على ما يلي:

 

1 ساعة صلاة

8 ساعات عمل (للموظفين)

1 ساعة مواصلات

1.5 ساعة للطعام ما بين (فطور – غداء – عشاء)

0.5 ساعة في الحمام

1 ساعة نشاطات مختلفة (حفظ – قراءة – رياضة)

1 ساعة بين الأهل أو الأصدقاء

1 ساعة تواصل اجتماعي (هاتف + إينترنت)

7 ساعات نوم

المجموع في اليوم الواحد = 22 ساعة

في المجموع = 66 سنة مشغولة تماماً من أصل 70 سنة

 

وما تبقى من السبعين سنة هو (4 سنوات) تقريباً لكل مشاريعك وخططك؟!.

هذه الإحصائية تبين لك كيف أننا نصارع لنستغل كلّ دقيقة في صالحنا!.

والإمام ابن القيم – رحمه الله – يبين هذه الحقيقة بقوله:

"وقت الإنسان هو عمرُه في الحقيقة، وهو مادةُ حياتهِ الأبدية في النعيم المقيم، ومادة معيشته الضنك في العذاب الأليم، وهو يمر مرَّ السحاب، فَمَن كان وقته لله، وبالله، فهو حياته وعُمُره، وغير ذلك ليس محسوباً من حياته.. فإذا قطع وقته وفي الغفلة واللهو والأماني الباطلة وكان خير ما قطعه به النوم والبطالة، فموت هذا خير من حياته"

إنّ الوقت قمة المِنَح الربّانية التي عجز العلم عن تفسيرها أو التحكم فيها..

فأنا وأنت لا نملك – وكذلك ملايين البشر والعلماء – إمكانية إيقاف الزمن أو الرجوع بعقارب الساعة للخلف أياماً أو ساعات أو حتى لحظات لتدرك شيئاً  كنت تتمنى حدوثه أو إنجازه في وقتٍ متلاطم اللحظات، يدبِّره القوي المتعال في عليائه، والذي لم يمنح سرَّه لاحدٍ من خلقه..

إنّ الوقت كالماء سيتفلّت من بين أصابعك بسهولةٍ إن لم تجمع كفيك وتحرص عليه..

 

·      هل عملية تنظيم الوقت مضيعةً للوقت؟

يُحكى: أن حطّاباً ذهب ليقطع بعض الأشجار من الغابة بفأسٍ قديمٍ غير حادٍّ، وقد أجهد نفسه دون جدوى.. وبينما هو كذلك مرّ عليه رجلٌ وأخذ يراقبه وهو في هذه الحالة.. فقال له: يا صاحبي! ما لك ترهق نفسك؟!.. ألا تشحذ فأسك جيداً، ثمّ تعود لقطع الأشجار، وبذلك توفر الوقت والجهد؟!.. رد عليه الحطاب: ألا ترى أنّه ليس عندي وقت لشحذ الفأس؟!..

لو سمع هذا الحطّاب النصيحة لوفَّر شيئين: (الجهد والوقت).

إنّ عملية تنظيم الوقت والتخطيط المسبق هي بالضبط كشحذ الفأس؛ لأنها توفر الوقت والجهد..

كل ساعة تخطيط = 3 ساعات عمل

كما أنّ لها فوائد لا تُعدُّ ولا تُحصى، وأذكر منها لإقناعك بالفكرة ما يلي:

1-    عندما تخطِّط ليومك، وتنظم برنامجك، ستشعر بقيمة نفسك، وأنك أنت محور حياتك، وأنك لست تبعاً لأحدٍ، وبالتالي: ستتغير نظرتك لنفسك، وسيتحسن مزاجك بشكلٍ عام.

2-    ستنجز مهامك اليومية التي ستوصلك لتحصيل أهدافك ومقاصدك، سواءً على الصعيد المهني، أو الأكاديمي، أو الاجتماعي، أو الديني، بشكلٍ أسرع، وبأعلى مستوىً للأداء.

3-    ستتغير نظرة الآخرين لكَ، فأنت أصبحت بالنسبة لهم مشغولاً بشيءٍ سامٍ، وليس لهم الحرية ليقتحموا فضاءك في أي وقت؛ عندما قدّرت قيمة وقتك فرضت على الآخرين أن يدركوا قيمته أيضاً.

4-    عندما تنظم وقتك، وتضبط قصة التَّسويف، ستنهي أعمالك باكراً، وستتمتع بفائضٍ من الوقت لتمارس فيه هواياتك المحببة، أو أي تواصل مع أحبابك وأصحابك. وقد قيل: يكون لدينا متسع من الوقت عندما نعرف كيف نستخدمه.

5-    ستتخلص من الضغط والتوتر والقلق بشكلٍ عامٍّ، الناشئ من تراكم الأعمال وتأجيلها لحالة الطارئ، والتي تعني تنفيذها في آخر الوقت بعجلةٍ ودون إتقان.

6-    سيتحسن مستوى أدائك للأعمال.. وبالتالي ستتنافس مع نفسك؛ وهي من أمتع المنافسات.. وذلك بأن تقيس أداءك السابق والحالي.. وهذا حتماً سيؤدي إلى تفوُّقك على الآخرين لاحقاً.

7-    ستصبح أنت المسيطر على الظروف التي تحيط بك بدل أن تفرض هي سيطرتها عليك، وذلك لأنك اتخذت إجراءاتٍ مسبقة.. فتكون تصرفاتك ضمن نطاق (proactive) وهو التهيؤ المسبق للأحداث، وليست (reactive) وهو تدارك المشاكل بعد حدوثها.. ولتعلم أنّ الفاشل يرمي دائماً تقصيره على الظروف المحيطة به ليبرز تقصيره بضميرٍ مرتاح..

8-    ستفيض روحك بسعادةٍ تنبع من إحساسك بقيمتك الحقيقية.. فلا سعادة مع فوضى واستهتار، وكلّما شددت الحزام على نفسك وطوعتها لإرادتك، تخلَّصْتَ من عادة التسويف المقيتة.

إنَّ يومي ويومك هو نفسه يوم ابن تيمية، والخوارزمي، وابن سينا، وآينشتاين، ونيوتن..

نفس عدد الساعات والدقائق والثواني؛ (24) ساعة، أو 1440 دقيقة، أو (86400) ثانية، تمكّن أغلب الناجحين والعباقرة بهذا الوقت نفسه من تغيير عالمٍ ودولٍ، واكتشاف أعمالٍ، ونظرياتٍ غيَّرت وجه التاريخ..

فهل من المعقول أننا غير قادرين على إدارة أنفسنا، وتنظيم أمور حياتنا؟!.. لنرجع اللوم على أنفسنا، وليس على أحدٍ..

ومن عرفَ الدَّاء سيجد حتماً الدَّواء..

ولتعلم: أنك إذا اشتكيت من عدم توفر الوقت لديك، فهذا يدل على أنك غير قادر على إدارته، وأنك من المفروض أن تراجع نفسك، وتتعلَّم مهارات إدارة الوقت.

"إنّ من يفشلون في الاستفادة من وقتهم، هم من يشتكون دائماً من عدم توفره". (جان لابروير)

·      مُربَّعات تنظيم الوقت:

تكلم الرائع ستيفن كوفي في كتابه: "العادات السبع للناس الأكثر فعالية" عن أهمية إدارة الوقت والاولويات، وقد وضعها العادة الثالثة في الكتاب، والتي تقول:

ضع الأهم أوّلاً... ثُمَّ المهِم

ابتكر ستيفن كوفي طريقة جديدة فريدة وسهلة لتنظيم الوقت، والسرّ في نجاحها ليس تنظيمها للوقت فحسب، بل تنظيمها للوقت والنفس معاً.

وقد جربتُ هذه الطريقة فوجدتُها مثالية ومفيدة جدّاً..

-         قُم بتحديد يومٍ معيَّن في الأسبوع، وليكن يوم الإجازة مثلاً.. تقوم فيه بالتخطيط لباقي أيام الأسبوع.. كما يمكنك الاستفادة من مُرَبعات تنظيم الوقت هذه، لتعرف ما هي أولوياتك في التنفيذ..

 

مهم وعاجل

1

مهم وغير عاجل

2

غير مهم وعاجل

3

غير مهم وغير عاجل

4

 

المربع الأوّل: مهم وعاجل..

توضع فيه المهام التي لا تحتمل التأخير.. مثل: مرض.. تسليم بحث.. امتحان عاجل وغيرها.

المربع الثاني: مهم غير عاجل..

هذا مربع الناجحين، ويعتبر من أخطر المربعات، وفيه تجمع المهام التي تتعلق برسالتك في الحياة.. والتي هي مهمة ولكنها غير مطلوبة منك حالاً.

وهذه المهام غالباً ما تكون خطوات إلى هدفٍ كبير، وإهمالها يجعلها تنتقل في وقتٍ من الأوقات إلى المربّع الأوّل، وتضغط عليك، ويصاب تنفيذ المهام بالبطء والتقصير، وأحياناً العجز.

المربع الثالث: غير مهم، لكنه عاجل..

توضع فيه المهام التي لا تهم كثيراً، لكن مطلوب منّا أداؤها بالحال.. مثل: دفع فاتورةٍ مستعجلةٍ، أو زيارةٍ مفاجئة، وغيرها.

المربع الرابع: غير مهم، وغير عاجل..

في هذا المربع توضع الأمور الترفيهية أكثر.. مثل: زيارة صديق.. قراءة مجلات.. مشاهدة فيلم..

ومن الواضح: أنّ المربَّعين الأكثر أهمية هما: الأوّل والثاني؛

لأنّ الأوّل: إذا لم يتم تنفيذ مهامه بسرعة، قد تخسر حياة أو مقومات حياة.

والثاني: إذا لم تهتم به، فلن تكون من الناجحين أصحاب الرؤية والرسالة.

إنّ تميُّزك يستحق منك أن تفكر بأن تستقر نفسكَ، وتستخرج منها الماس المدفون، ولا تبخل على نفسك بالتعب لتخطط لها، وتنظم أمورها، ولتعلم أنّه:

لكي تَبني عالياً، عليك أن تحفر عميقاً

 

المصدر: كتاب أنت ونفسك.. رحلة التغيير

ارسال التعليق

Top