أصبحت التقنية الحديثة ذات صلة وثيقة وقوية بصناعة واحتراف الإعلام في جميع وسائطه ووسائله، ولكنّها تبدو أكثر التصاقاً بصنّاع الإعلام الإلكتروني، لما يتطلّبه الإنتاج من فهم سمات الوسيلة وإمكاناتها ومحاولة تطويعها لصياغة رسالة إعلامية قوية على المستويين المهني (الإعلامي) والتقني. ولكنّ الكثير من الدعوات صارت ترتكز على تطوير المهارات التقنية للعاملين في الإعلام الإلكتروني، وكأنّ هذا الإعلام يقوم فقط على التفوق التقني. إنّ التقنية لا تُعدّ إلّا دائرة واحدة من ثلاث دوائر ينبغي على القائم بالاتصال على الإنترنت أن يعمل بها، وهي دوائر: النص، التقنية، التفاعل. والاندهاش بالتقنية، واستخدامها المرتجل لا يصنعان بمجردهما إعلاماً محترفاً، في الوقت الذي أصبح فيه المواطنون صحفيين، لا تنقصهم من صفات إعلاميي الإنترنت إلّا سمات «الاحتراف»، وبذلك، فإنّ الرهان ليس على استبعاد وتهميش صحافة المواطن والتدوين والصحافة المدنية، وإنّما على المنافسة بأدوات الاحتراف واستيعاب هذه الظواهر التي أصبحت واقعاً يجب التعامل معه. وعلى القائم بالاتصال أن يتذكر دائماً أنّ استيعاب هذه الظواهر يُعلي من شأن موقعه ويجعله أكثر مصداقية واهتماماً من قبل الجمهور، بل ويثري الحوار والديمقراطية معاً.
يتميز الإعلام الالكتروني وتطبيقاته بالحرّية التي تتيحها في اختيار الموضوع وتحرير النص والحجم وسهولة البث وقلة التكلفة مع إمكانية تجاهل المصدر. وخاصّة مع تجاوز الحدود بين الخاص والعام وبين الداخل والخارج .ويتمتع الإعلام الالكتروني بسرعة الانتشار وسهولة الوصول لها وارتفاع سقف الحرّية، وهو ما يجعل تلك المنصات متاحة أمام كافة الاتجاهات والأفكار داخل المجتمع وإتاحة الفرصة أمام اتّساع عدد المشاركين وحجم القضايا والموضوعات التي يتم تناولها في ظل حوار يكون ركيزته الندية بين الفرد والنُّخبة والجماهير. وهناك العديد من المسميات التي تطلق على ذلك النمط الجديد من الإعلام عبر تطبيقات الإنترنت، فتارة يتم وصف عملية نقل الرسالة الإعلامية عبر تطبيقات تكنولوجيا الاتصال والمعلومات بأنّها «إعلاماً بديلاً»، وتارة أُخرى يتم استخدام مصطلح «الإعلام الجديد»، وهناك مُسمَّى «الإعلام الإلكتروني» في مقابل «الإعلام التقليدي»، وذلك في محاولة لوصف ذلك الانتقال من روافد الإعلام المكتوب والمسموع والمرئي إلى مرحلة جديدة من مراحل التطوّر التكنولوجي .
إنّ مجمل الحقوق التي يتمتع بها أو يطالب بها الإعلاميون في البيئة التقليدية، تنطبق بشكل أو بآخر على الإعلاميين العاملين في البيئة الإلكترونية الجديدة، سواء أكانت حقوقاً مهنية أو سياسية أو ثقافية أو مادّية أو معنوية أو غيرها، حيث يحقّ للإعلاميين في البيئة الإلكترونية الجديدة التمتع بهذه الحقوق، إضافة إلى ما تضفيه عليهم البيئة الجديدة من حقوق لا يتمتع بها الإعلاميون في البيئة التقليدية، مثل حرّية التعبير، حرّية الوصول إلى مصادر المعلومات، والحقّ في التواصل التفاعلي والفوري مع جمهورهم، إلّا أنّ هذه الحقوق تحتاج لصياغتها في شكل مواثيق وبروتوكولات لضمان تمتع هؤلاء الإعلاميون بها.
تنطبق الواجبات المفروضة على العاملين في البيئة التقليدية على العاملين في البيئة الإلكترونية أيضاً، إلّا أنّ هناك ثمة صعوبات في تطبيق بعضها. ومن الضروى إيجاد تنظيم قانوني شامل لجميع الجوانب المتعلقة بالوسائل الحديثة في الإعلام، فالصعوبة التي تثيرها هذه المسألة هي الطبيعة الخاصّة للجوانب المراد تنظيمها، لاسيّما تلك المتعلقة بالحقوق والحرّيات الأساسية للأفراد وعدم المساس ببعض تلك الحقوق، كالحرّيات الشخصية على سبيل المثال، ولذا فإنّ التنظيم المطلوب قانوناً يتسم بالشمولية من جانب والعالمية من جانب آخر، فلا يتم تنظيمه قانوناً كما تنظم الوسائل التقليدية للإعلام التي يمكن السيطرة عليها وأحكام الرقابة عليها. وتحمل الصحافة الإلكترونية الكثير من التحدّيات التي يمكن أن تعصف بالصحافة كمهنة سواء كانت تقليدية أو إلكترونية، ويتقدّم هذه التحديات قضية الأخلاقيات في الصحافة الإلكترونية وهو جانب سلبي في هذا النوع من الصحافة - حتى الآن - فعمليات السطو على حقوق التأليف والنشر الخاصّة بالآخرين، والمصداقية والثقة في كثير ممّا يتم تناوله من أخبار ومعلومات عبر هذا النوع من الصحافة محل شكّ، ومن ثمّ فإنّ هذا النوع من الصحافة تحتاج إلى تنظيم قانون للحفاظ على الصحافة كمهنة، بالإضافة إلى عدم وجود جهات تنظيمية للصحافة الإلكترونية وإعطاء هذا المجال حقّه في الاستثمار.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق