"الجار قبل الدار"
هو مثل شعبي يؤكِّد أهمية الجيرة الحسنة في حياة الإنسان أينما سكن. وحتى يكون الإنسان جاراً مثالياً يحبه الجميع، عليه أن يعرف كيفية التعامل مع جيرانه.
ضغطت أم أحمد على زر المصعد في المبنى الذي تعيش فيه وعندما فُتِحَ الباب، فوجئت بوجود بعض النساء، هنّ بالتأكيد من سكان المبنى فهي تراهن دائماً، لكنها لم تتجرأ يوماً على النظر في أعينهنّ أو حتى إلقاء التحية عليهنّ. أم أحمد بطبعها خجولة، فالتحية قد تؤدي إلى فتح حوار، والحوار قد ينتهي إلى تبادل الزيارات، وهي تخاف خوض الأحاديث، حتى لا يظهر عليها الارتباك، وتتردد في دعوة الناس إلى بيتها، خوفاً من ألا تكون مضيفة ماهرة كبقية جاراتها. لذا فإنّها تؤثر الصمت والتجاهل خوفاً من أن يُفتضح أمرها.
في المصعد ذاته، كانت أمينة تنظر إلى أم أحمد ممتعضة وتقول في نفسها: "أف! ما أغلظ هذه المرأة. كم هي متكبرة. من تظن نفسها، حتى تدخل من دون أن تلقي التحية علينا، إنّ الصباح لله؟".
لم تكن أمينة تدرك ما يجول في خاطر أم أحمد، فهي ليست بقارئة أفكار الناس، لكنها غالباً ما تحكم عليهم من خلال تصرفاتهم، تماماً كما جرى مع أم أحمد، حيث فُهم من تصرفها أنها جارة متكبرة ولا تحب التعامل مع جيرانها.
غير أن أمينة نفسها ليست الجارة المثالية، التي يتمنى الجميع لو يسكنون في حيها أو مبناها ليستمتعوا بحسن جيرتها. أمّا لماذا؟ فالسبب يعود إلى حشريتها المزعجة، فهي تحب أن تعرف كل شيء عن كل جاراتها، ولا تتوانى عن طرح الأسئلة في كل مرة تلتقي جارة لها، وهي خارجة أم داخلة منزلها، فتستوقفها لتسألها عن سبب عدم عودة زوجها باكراً إلى المنزل بالأمس، أو لتستفسر منها عن الضيوف الذين كانوا عندها، أو لتعرف ما الذي اشترته من أغراض.
غالباً ما تهرب الجارات من أمام أمينة، أو أنهنّ يسرن في الاتجاه المعاكس، متى ما شاهدنها تسير في اتجاههنّ، لأنهنّ ببساطة يشعرن بالانزعاج من كثرة أسئلتها، التي تتخطّى حدود الجيرة لتصبح تدخلاً في شؤونهنّ الخاصة.
لكن بعضهنّ عرفن كيفية التعامل معها ويتمكن من الهروب من مأزق أسئلتها بطريقة لبقة. مثلاً عندما تطرح عليهنّ سؤالاً مستفزاً فإنهنّ يسارعن إلى تغيير الموضوع كأن يقلن لها فجأة: "تعجبني ملابسك"، أو "هذا اللون يناسبك تماماً". وثمّة من تجعل إجاباتها مبهمة وغير محددة، فمثلاً إذا سألتها أمينة عن سعر الملابس التي ترتديها فإن جوابها يكون: "لا أعرف نسيت... لقد اشتريته مع أشياء أخرى ومنذ مدة بعيدة". وفي حال زارت أمينة إحدى الجارات، البارعات في التعامل مع الأشخاص الفضوليين، فإن هذه الجارة غالباً ما تستقبلها في غرفة الجلوس أو غرفة المعيشة، وتطفئ جميع أضواء الشقة وتخفي عنها الأشياء الجديدة التي اشترتها، هكذا تضع حداً لأسئلة أمينة من دون أن تسبب لها أي إحراج.
وثمّة جارات يعمدن إلى العمل بالمقولة: "وداوني بالتي كانت هي الداء"، أي أنهنّ في حال لم يتمكن من الهروب من أمينة، فإنهنّ يسارعن إلى الإفراط في طرح الأسئلة قاطعات عليها الطريق أما طرح أي سؤال.
- خير الأمور أوسطها:
التوسط أو الاعتدال في كل شيء هو وسيلة جيِّدة للعيش بوئام وسعادة. فإذا أردت أن تكوني جارة لطيفة يحبها الجميع، عليك أن تختاري الحل الوسط بين أم أحمد وأمينة، أي أن تلقي التحية على جاراتك عندما ترينهنّ وتبتسمي لهنّ، وربما بإجراء حوار بسيط معهنّ بعيداً عن الحشرية التي تتسم بها أمينة. اعلمي أنّ الابتسامة والمعاملة الحسنة تخلقان أجواء لطيفة بين الجيران.
وإذا كان وقتك وظروف منزلك تسمح بدعوة الجارات إلى زيارتك، فلا مانع من فعل ذلك، لأنّ الجيرة تعد أحد أفرع الحياة الاجتماعية. بالتالي لا يمكننا العيش معزولين تماماً عن جيراننا، الذين هم في النهاية أقرب إلينا جغرافياً من أهلنا وأقاربنا، وهم الذين سيهبّون إلى نجدتنا قبل أي أشخاص آخرين، لو أصابنا مكروه ما لا قدّر الله.
لكن الوسطية في التعامل مع الجيران ليست القاعدة الوحيدة التي تجعل منك جارة مثالية يحبها الجميع، بل ثمّة قواعد أخرى يجب أن تلتزمي بها حتى تنجحي في كسب ود الجيران، ومن هذه القواعد:
- إذا رغبت في سماع الموسيقى، حاولي ألا ترفعي الصوت عالياً كي لا تزعجي جارتك. استخدمي السماعات أو أغلقي النوافذ والأبواب حتى تضبطي الصوت في الداخل.
- لا تُحدثي ضجيجاً أثناء تنقلك في المنزل، كأن تغلقي الأبواب بقوة أو تسيري في الغرف، وأنت تنتعلين حذاء يصدر أصواتاً مع كل خطوة. كما لا تتركي أطفالك يجرون في المنزل، لا سيما إذا كنتِ تسكنين في شقة في أحد المباني السكنية المكونة من أدوار عديدة.
- لا ترمي القمامة أمام باب جارتك، ولا تتركي أكياس القمامة مفتوحة وترميها في الغرفة المخصصة لها، لأنّ الرائحة الكريهة ستصل إلى منزل جارتك التي تسكن قريباً من هذه الغرفة.
- لا تسمحي لأطفالك باللعب في ممرات الشقق السكنية، لأنّ الضجيج سيزعج جاراتك أو يوقظ أطفالهنّ من النوم.
- إذا حطمت عن طريق الخطأ أحد مقتنيات جارتك، فلا تترددي في إعلامها بذلك وعرض التعويض المناسب عليها.
- إذا رغبت في تعطير منزلك بالبخور حاولي أن تستعلمي من جيرانك، ما إذا كان ثمة من يعاني حساسية من الروائح القوية. ويُفضل ألا تستخدمي البخور القوي تفادياً لأي مواقف محرجة.
- في حال كنتِ تخططين لتنظيم حفل عشاء راقص في منزلك، فيستحسن، إما أن تدعي جيرانك أو أن تخبريهم بموعد بدئه وانتهائه حتى لا يفاجأوا بالضجيج.
- لا تزوري جارتك في أي وقت ومن دون موعد مسبق، بل اتصلي دوماً قبل أن تدقي باب دارها، فقد تكون منهمكة في عمل شيء ما، أو مستغرقة في النوم أو ترغب في الاستراحة.
- لا تتردي في مساعدة جارتك إذا شاهدتِها تحمل أكواماً من الأكياس المليئة بالمشتريات.
- لا تسارعي إلى الاتصال بالشرطة إذا أساءت إحدى جاراتك التصرف، بل حاولي أن تتحدثي معها، وإعلامها بأن ما فعلت أزعجك. في حال اعتذرتْ عن ذلك، فهذا حسن، أما إذا تجاهلتك واستمرت في القيام بأمور مزعجة واستفزازية، يمكنك عندها الاتصال بالشرطة.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق
تعليقات
كِيت آلكبآنِي
شكراً لكم ع القصه بس هل هي حقيقيه امم فقَط مجرد قصه