• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الجذور الزمانية للثورة الحسينية

عمار كاظم

الجذور الزمانية للثورة الحسينية

إنّ للعطاء الحسيني أثراً واضحاً في تربية الملكات وترقيق الشعور والإحساس وتعظيم فائدته في كلّ صقع وناد. أُقيمت المجالس الحسينية تيمناً وتبركاً باستشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) في العاشر من محرم سنة 61 للهجرة المصادف 680 ميلادية. لعلّ من الأهمية معرفة إنّ تاريخ إقامة التعزية في مصاب الإمام الحسين (عليه السلام)، قد ينسبه المؤرخون والرُّواة إلى زمن يعود إلى قبل حادثة استشهاده في واقعة الطف، حيث يُروى أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) والإمام عليّ (عليه السلام) قد أقاما مجلس التعزية على الإمام الحسين (عليه السلام) قبل استشهاده بعشرات السنين.

فالنهضة الحسينية ليست حركة آنية جاءت نتيجة ظروف حدثت في زمن إمامة الإمام الحسين (عليه السلام)، بل هي ثورة تمتد جذورها إلى أيام خلافة أمير المؤمنين (عليه السلام) وأخيه الإمام الحسن (عليه السلام) الذي مهّد له وأعطاه المسوغ الشرعي والسياسي للقيام بنهضته، فجسّدها (عليه السلام) بشكل واقعي فاستشهد هو وأصحابه في واقعة الطف في كربلاء.

إنّ الحركة الحسينية هي امتداد لحركة الخلافة والإمامة الإلهية المتمثلة بالإمام عليّ والإمام الحسن (عليهما السلام) وصولاً إلى الإمام الحسين (عليه السلام). فالنهضة الحسينية هي التجسيد الحقيقي للكثير من المفاهيم والقيم الإنسانية النبيلة في الحياة كالتضحية والعدالة والحقّ والحرّية والرفعة الإنسانية. النهضة الحسينية استفسار دائم للإنسان كي يعيش في كلّ لحظة من عمره حالة الاستعداد الدائم لمواجهة الباطل والشرّ أيّنما وُجد وفي أي عصر كان، لأنّ الحياة بمتنقضاتها تتطلّب من المؤمن الحقيقي أن يكون كلّ يوم عنده عاشوراء وأن تكون كلّ أرض له كربلاء. النهضة الحسينية تحقيق لقول الله سبحانه وتعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (العنكبوت: 69)، فجهاد الحسين (عليه السلام) امتداد لحركة الأنبياء الجهادية. النهضة الحسينية عبارة عن إعادة تشكيل وبلورة الشخصية الإسلامية الرسالية القادرة على إدراك معاني وأهداف وجوده في الحياة من خلال متغيراتها الحركية وخط سيرها للأمام. النهضة الحسينية، وما يتبعها من مراسم وطقوس كالمنابر والمجالس الحسينية، عبارة عن وسيلة فعّالة لشحن وتفعيل عوامل التحدي ضد قوى الاستكبار مهما كان حجمها ومهما كانت قوتها ومظاهر جبروتها.

على الرغم من أنّ النهضة الحسينية هي الوريثة الشرعية للرسالة الإسلامية المحمّدية، إلّا أنّ واقعها الحركي وغاياتها الإنسانية الشاملة حولتها من ثورة إسلامية إلى ثورة عالمية لا تستطيع الحواجز القومية أو الاعتبارات العرقية أن تصمد أمام عنفوانها وأهدافها الإنسانية السامية. وتنكشف الغيوم عن تلك الحكمة عندما ندرك أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) أراد أن يقول لنا أنّ المؤمنين أخوة لأنّ ثورته لا تعترف باللون الأبيض ولا باللون الأسود، وحركته لا تعترف بقومية دون أخرى، وإنما كلّ الألوان وكلّ القوميات تسقط أمام ثورته وحركته لأنّ نهضته كانت من أجل الله ومن أجل كرامة الإنسان إينما كان فهو (عليه السلام) المحيي لشريعة جده (صلى الله عليه وآله وسلم)، وجده بُعث للناس كافة وكان رحمة للعالمين. وانطلاقاً من هذه الحقائق، فأنّ نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) كانت نبراساً لسائر النهضات التحريرية في العالم ضد الظالمين، وكانت هي الانفجار العظيم الذي هزَّ عرش كلّ الطُّغاة المستبدين، كما ومهّدت الطريق أمام الثورات الأخرى وأنّ الحركة الحسينية كانت النبراس لسائر النهضات التحريرية في العالم ضد الظالمين.

ارسال التعليق

Top