• ١٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٩ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الحاسة السادسة.. بين اليقظة والحلم

تحقيق: نادين باخوص

الحاسة السادسة.. بين اليقظة والحلم
"كان صباحاً ملوّثاً بالحلم حين رأت نفسها بثوب عرس متهتّك، تقف أمام مرآتها في بيتها القديم، ولون خشب غرفة نومها الأصفر ينعكس على وجهها شحوباً، ساعةٌ واحدة تفصلها عن موعد الزفاف، فيما لا تزال تقف مشدوهةً باهتراء ثوبها، متأمّلة اصفرار وجهها، وشعرها المبعثر. أهل العريس على وصول، والحيرة تأكل قلبها: "كيف لي أن أذهب بهذه الهيئة؟" تتساءل. في بيتها القديم، إلى جوار منزل (أسماء)، وقعت أحداثُ هذا الحلم المغتسل بالرؤية". هذه الكلمات تحكي قصة امرأة رأت الحلم السابق ذات صباح لتستيقظ مرتجفة، وحائرة من غرابة ما رأت، لاسيّما وأنّ سنوات عديدة مرّت على انتقالها وأسرتها من منزلهم القديم الذي رأته، وإذا بها تصدم في اليوم نفسه بخبر موت أسماء التي كانت جارتهم. حوادث كثيرة مشابهة تصادف المرء دائماً، سواء أكانت متعلّقة بالأحلام، أم باليقظة. فكثيراً ما يشعر أحدنا بأنّ في داخله إحساساً بخطر قريب، أو بفرح مُقبل. وكثيراً ما يفكّر أو يحلم بأحد ليسمع عنه خبراً في اليوم نفسه، أو يراه، والسرّ يكمن في تلك الحاسّة، التي لم يعثر لها أطباء الجسد على مركز في المخّ، أو على أثر ملموس في أي نقطة من الجسم، ولكنّها موجودة تبعاً لما يعيشه الكثيرون، وتبعاً لتجارب عديدة يقوم بها المختصون من علماء النفس، وعلماء ما وراء النفس المعروفين بالباراسيكولوجيين. وبينما لا يكترث البعض لوجودها، يعيش الآخرون حياة مليئة بالإثارة بسبب تمتّعهم بحاسّة سادسة قويّة. وفي حين يسترسل البعض في سرد قصصه معها، يتحفّظ البعض الآخر على ما يملك من حاسّة قويّة خشية أن يفقدها، وكأنّها تلك الحاضرة الغائبة المحاطة بالكثير من الأسرار والقصص الخفيّة، وهو ما يتوفر في الآراء المتنوّعة التي تضمّنها هذا التحقيق.   - في الأحلام: أغلب القصص الغريبة التي صادفت نغم القصير، وحملت رؤية ما، مرتبط بالأحلام. تطلق نغم آهة طويلة: "منذ سبعة عشر عاماً كانت لدي أخت وحيدة تصغرني، لكنّها مرضت، وكانت أمي قد رأت نفسها في الحلم تمسك حقيبتين، واحدة كبيرة، وواحدة صغيرة وإذا برجل أخذ الصغيرة من يدها، حاولت استرجاعها، ولكنّه لم يسمح لها. وفي صباح ذلك اليوم توفيت أختي"، وبعد مرور شهور رأت أم نغم في الحلم سلتين تنزلان من السماء، واحدة فيها أختي التي توفيت، وأخرى فيها طفلة جميلة جدّاً، فمدّت يدها لتأخذ أختي المتوفاة، وإذا بالرجل ذاته الذي كان في الحلم الماضي يمنعها ويسمح لها بأخذ الثانية. "وبالفعل حملت أمي، وأنجبت الطفلة التي رأتها في المنام". لكن الأمر بالنسبة إلى نغم لم يقتصر على الأحلام، فغالباً ما مرّت بحوادث تنبؤية إيجابية في الجانبين الدراسي والعملي.. "ولطالما تمنّيتُ وجودها في الجانب العاطفي قبل أن أتعرّف إلى شريك حياتي، لكنها لم تنفعني". وبعاطفة الأنثى تعترف نغم بأنّها تحبّ هذه الحاسّة عندما تجعلها تشعر أن شيئاً جميلاً سيحدث، فيبدأ قلبها بالخفقان. في حين "سألعن الحاسة السادسة وساعتها عندما أستشعر مكروهاً ويقع". ولكن يبقى وجود حاسة زائدة عن حواس الآخرين تميّزاً يروق لها.   - نعمة مشوبة بالخوف: كثيراً ما مرّت سارة الجروان بمواقف غريبة تتعلّق بالحاسة السادسة إلى درجة تجعلها تخشى ممّا قد يتوارد إلى ذهنها مستقبلاً. الحاسة السادسة بالنسبة إليها "نعمة مشوبة بالخوف والجزع"، فغالباً ما تكون نذير شؤم، "بيد لا تخلو أحياناً من المفاجآت السارّة"، أو التنبؤ بأمور ذات أهمية كبرى لحياتنا، أو حياة أحد القريبين منا. وبالطبع تختلف من شخص لآخر في كونها نعمة، أم نقمة. تتوقع الجروان أنّ بعض من يمتلك هذه الحاسّة يتحفّظ في الحديث عنها كي لا يجفل منه الآخرون ربّما، فالحديث عن الخوارق يخيف بعض الأشخاص، "وبالتالي كثيراً ما تكون الحاسة السادسة حبيسة نفس صاحبها". ولا تستبعد أنّ هنالك مَن لا يعتقد بها فيحيلها إلى نوع من الخزعبلات. تترك سارة، وهي كاتبة رواية ما ورائية بامتياز، تفسير الحدس لعلماء النفس من باب أنهم أقدر على التفسير العلمي، تاركة لقلمها، وخيالها أن يسرح في عالم الحدس كما يحلو له. وترى أنّه من البديهي جدّاً أن يتحلّى الأديب بهذه الحاسّة، إذ كثيراً ما تفرض الحالة الإبداعية على الكاتب أن يتلبّس حيوات عدّة، "وعن نفسي أنجح في هذا. فالحمد لله على نعمة الإدراك وما وراء الإدراك".   - الأقوى لدى الأُمّهات: ترى الصحفية ديانا أيّوب أنّه لا يمكن نكران اعتقاد البشر بوجود الحاسة السادسة على الرّغم من انعدام وصول العلماء إلى تحديد أي مفهوم علمي واضح لها، مُرجعة ذلك إلى فضول الإنسان لما يمكن أن يكشف له جوانب من حياته المستقبلية، "ولكنها تتفاوت من شخص إلى آخر مثلما نتحدث عن نسب متفاوتة لحاسة الشم أو السمع عند الناس". ومن الملاحظ أنّها تقوى عند الأُمّهات اللواتي كثيراً ما يتحدّثن عن إنذارات يشعرن بها حين يتربّص السوء بالأبناء. وبالمقابل، تعتقد دياناً أنّ هذه الحاسة تكون نعمة للكثير من الناس الذين يشعرون بالأشياء الإيجابية، كأن يشعر المرء بأنّ المنزل الذي سيشتريه سيكون مناسباً تماماً، أو أن يقوده حدسه ليوفّق بشراء سيارة معيّنة، ولكنّها قد تتحوّل إلى نقمة في حال شعور المرء بالسلبيات، وتحويلها إلى هواجس تعيق حياته اليومية، وتمنعه من ممارسة مهامه.   - حاسة الكاتب: بكل عفوية يعترف زهران القاسمي أنّ ثمة شعوراً يصاحبه أحياناً منذ الصباح يجعله يحسّ بأنّ شيئاً ما يجهله سيحدث، "لكن الغريب أنّه عندما يقع أكون قد لهوت عن التفكير فيه". وبوصفه كاتباً، يرى زهران أنّ الكتاب الذي هو في الأساس صاحب نظرة مبنية على التأمّل، واستقراء الحاضر ممّا يجعلها بعيدة المدى، وثاقبة تخترق المستقبل، سيكون أكثر حساسية وإبداعاً لو امتلك الحاسّة السادسة. ومن أدنى شكّ يرى زهران أنّ الحاسة السادسة كانت موجودة مع الإنسان بقوّة كما هي مع الحيوان فيما يتعلّق باستشعار ما سيحدث، ولكن اعتماده على الحواس الأخرى في تطوّره الحسّي والعقلي أبعد هذه الحاسة إلى الظل وبالتالي هُمِّشت، لكنّ هذا لم يجعلها تتلاشى، لما زالت موجودة ويستطيع الإنسان أن يطوّرها بالتمارين مثلها مثل أي عضو آخر يحتاج إلى التمارين ليكون أداؤه جيِّداً، "أين وكيف؟ لا أعرف".   - السرّ في القلب: ما يميّز عوالم الحاسة السادسة في رأي عابد الريّس أنّ شروط الزمان والمكان تنتفي فيها. "فبحسب الفيزياء الحديثة، يرتبط العالم كلّه ببعضه البعض موجياً، وهكذا نشعر بما يطرأ من متغيّرات على الأشخاص الذين نرتبط بهم عاطفياً ووجدانياً بشكل حميمي حتى لو كانوا على مسافات نائية". وعلى الصعيد الشخصي، كثيراً ما أجاب عابد شخصاً على سؤال قبل أن يسأله، وكثيراً ما ذكر شخصاً فاتصل به. "حدث مرة أنه في غضون أيام ثلاثة متتالية ذكرت أشخاصاً ثلاثة: أحدهم ربح باليانصيب، وواحد زارنا بعد انقطاع، والآخر توفي والده". الحدس في رأي عابد يلزمنا جميعاً، وهو بالتأكيد نعمة، ولكنه غير مفيد إلا للذي يجرؤ على تصديق قلبه ومشاعره، "مشكلتنا أننا في عصر التكنولوجيا والمعرفة الفكرية نميل إلى التشكيك بصدق الأحاسيس والمشاعر"، وحتى ينمو الحدس لدينا يجب أن نكون متصالحين مع ذواتنا، مصغين بعمق لما تخبرنا به قلوبنا.   - صوت الدّاخل: يتفق علي سليمان مع كثيرين أنّ لدى كلّ إنسان حاسة سادسة تتفاوت بين الأشخاص، إلا أن ما يميّز رأيه هو أنّه يراها مشابهة للصوت الداخلي للإنسان، بل هي مرآة روحه. "بإمكان أيّ إنسان أن يقوم بتفعيل هذه الحاسة من خلال قوّة التركيز، والشعور بطاقة الأشياء والأشخاص بشكل أكبر". أهم موقف مرّ به علي كان عندما خسر عمله فحزن لأنّه اعتاد الحياة فيها، فوضع إعلاناً في إحدى المجلات الإعلانية للبحث عن عمل، وحصل على عرض عمل. "في الوقت نفسه كان يراودني شعور غريب بأن شيئاً ما ينتظرني، وبالفعل أجريت المقابلة، وتم قبولي. بعدها تأكّدتُ من أنّ الشيء الذي كنت قد أحسست بقدومه لم يكن وهماً، فتعلّمتُ كيف أصغي إلى صوتي الداخلي باستمرار".   - لا حدود في العلم: مع الأسف لم يتجرّأ الباراسيكولوجيون العرب كفاية على الخوض في الحاسّة السادسة لاعتبارات اجتماعية، ودينية حسبما تقول د. سعاد محم المرزوقي (أستاذة في علم النفس)، "حتى أنّنا لا نملك اختصاصيين في هذا المجال"، في حين لا يكفّ علماء ما وراء النفس الأجانب عن إجراء التجارب المتعلّقة بهذا الخصوص، والتي غالباً ما تنصبّ على الملكات الخاصّة بالإدراك. وقدِّمت حتّى الآن الكثير من الدراسات التي تقول بوجود هذه الحاسّة من غير أن تستطيع إثبات علامة ملموسة لها في دماغ الإنسان. ترى د. المرزوقي أنّ الشخص الذي يمتلك حاسّة سادسة هو الشخص الذي يمتلك فراسة من نوع خاص، وهي ميزة لا تتوفّر لكلّ الناس. تعدّد د. المرزوقي أنواعاً للحاسة السادسة "الأمر يعتمد على الشخص نفسه"، فمن الأشخاص مَن تتمثّل لديهم بشكل رؤى، ومنهم مَن يشعرون بموتى، ومنهم من يتنبؤون بأشياء قد تحدث معهم أو مع غيرهم.. وكلّ هذا يدخل في باب الخوارق، "بعض الأشخاص يوظّفون هذه الحاسّة بالشكل الخطأ"، توضح د. سعاد، "كأن يستغلّوها في قراءة الفنجان ليستفيدوا مادياً". كما أنّها تؤكّد على ألا يكثر من يمتلكها من الحديث عنها كي لا يفقدها، أو كي لا يخشاه الآخرون، "إذ نحن العرب نأخذ هذه الأمور بمفهوم عاطفي غير علمي"، كما أنّ هنالك أشخاصاً يسبّب امتلاكهم لها قلقاً كبيراً، لاسيّما إن أوحت إليهم بأفكار سلبية، فيحاولون معارضتها في الوقت الذي يتوجّب عليهم القراءة عنها لمحاولة فهمها، ومعرفة بعض أسرارها.   - القوّة في الصمت: على الرّغم من كونها طبيبة، وعلمياً لا يوجد أي مقرّر علم تشريح يعترف بها، إلا أنّ حنين عمر تقول بوجود حاسّة سادسة بلا شكّ. ومع أنّها لا تؤمن بتوقّعات الأبراج، إلا أنّها تعتقد أنّ لبرجها المائي علاقة بارتفاع حساسيّتها الروحيّة أحياناً، "فساعة ميلادنا تؤثر في تصرّفات الروح". كما تعتقد أنّها موجودة لدى كلّ إنسان مثل الحواس الخمس وإنّما بنسب متفاوتة، "بمعنى أنّه يمكن أن تكون متطوّرة جدّاً لدى أشخاص، وتعمل بشكل دقيق". كما أن هناك من يعتني بتطوّرها وهناك من لا يستعملها طوال حياته. تنفي حنين أنّ الحاسّة أقوى لدى النساء، "لكن ربما المرأة أكثر حديثاً عن الموضوع، وأكثر قلقاً حيال المستقبل، وأكثر تفكيراً من الرجل في مجال الماورائيات". أغلب الناس، في رأي حنين، يشعرون بما سيحدث لهم مستقبلاً، وتنتابهم نوبات من القلق حيال ذلك، كما أنّ كثيراً من الحيوانات تتمكّن بالغريزة من معرفة قرب حدوث الكوارث الطبيعية. وتؤيد حنين المختصّين الذين ينصحون من يملكون هذه الحاسة بألا يتحدّثوا عن تجاربهم الشخصية فيها بشكل علني، لأنّهم قد يجلبون لأنفسهم مشاكل هم في غنى عنها، "كما أنّ كثرة الحديث عنها قد تؤدي إلى فقدها مع مرور الزمن". وتقول إنّ هناك حالات كثيرة حصل معها ذلك بسبب عدم قدرتها على الكتمان. وتذهب شوطاً بعيداً من إسباغ أهمية عالية عليها حين تعتقد بأنّ فقد هذا المكوّن الطبيعي من مكوّناتهم الداخلية سيجعلهم يفقدون توازنهم الذاتي المعتاد، تماماً كما يحدث لدى من يفقد حاسة من حواسه الخمس.

ارسال التعليق

Top