كانت حركة الإمام الحسين (ع) وثورته تبعث الدهشة والاستغراب في أوساط المجتمع آنذاك، وحتى المقرّبين من بني هاشم ممن يُؤيدون الإمام (ع). ولكن الإمام (ع) كشف أهداف حركته للأمة وأعلن بصراحة عن موقفه المضاد لبيعة يزيد وعن رفضه إعطاء شرعية للحكم الأموي ولعل أهم شعاراته قوله (ع): «إنما خرجتُ لطلب الأصلاح في أمّة جَدِّي... أريد أن اَمُر بالمعرُوف وأنهى عن المنكر. فمن قبلني بقبول الحقّ.. فالله أولى بالحق.. ومن ردّ عليّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحقّ، هو خير الحاكمين». عندما نتأمَّل أبعاد هذا النص ونُحلل الفكرة التي يحملها نجد أنَّ الحسين (ع) كان يحمل همّ المجتمع الإسلامي، هم إصلاح هذا المجتمع ويُعلن هدف ثورته وغاية حركته وهي طلب الإصلاح في أمة جده. الذي بُعث للناس جميعاً... أبيضهم وأسودهم.. وكلّ أهل الأرض. جده الذي جاء فحقق للأمة الوحدة والعدالة والمساواة وقضى على العبودية والظلم. جدّه الذي بُعث رحمة للعالمين. كما يُعلن أصول ثورته الإصلاحية؛ فهي أمر بمعروف ونهي عن المنكر.. حتى يصلح أمراض الأمة.. وحتى يكون انسجام الانسان مع الحقّ.. ونشر المحبّة. وتحقيق العدالة.. والرفاه في المجتمع. ومن الدروس المعروفة العظيمة في الثورة الحسينية: المساواة، والعدالة، الحرِّية، والرفاه الاقتصادي. دروس الثورة الحسينية تمثل ضمير الأديان إلى أبد الدهور. وأطلقت ثورة الحسين (ع) هواء الحرية بالفداء في فضاء الخلود ليتصل نسمات الهواء النقي ببعضه، من ماضٍ وحاضرٍ وآتٍ. فكلمات الإمام الحسين (ع) مدرسة تُعلم الإنسان كيف يعيش حراً وشعاراته تُعد جامعة لتوحيد الشعوب وإزالة الفوارق في اللون والجنس وتدعو إلى الحرية، فحياة الذل لا تساوي شيئاً والحل هو طلب الشهادة، بل عشق الموت طلباً للحياة. الحسين يرفض عبودية الإنسان للإنسان ويعتبر ذلك هو الموت بعينه أمّا الخضوع لله والعبودية لخالق الكون والحياة فهي قمّة الحرية لأنّها تجعل الجميع سواء أمام ربّ واحد، إله واحد. لا فضل لأحد على أحد إلّا بالتقوى. فالتقوى مقياس ومعيار الكرامة البشرية. الخضوع لله: حرية. لأنّ مَنْ يخضع لله لا يعبأ بأكبر إنسان على وجه الأرض في المقاييس الدنيوية. (عظُمَ الخالق في أعينهم فصغر ما سواه في أنفسهم). ثورة الحسين(ع) ليست لطلب الملك والسلطات والثروة والجاه، لأنّ الحسين (ع) على خُطى جدّه رسول الله (ص) وأبيه علي بن أبي طالب (ع) جده الرسول الأعظم (ص) الذي قال: «لن تقدّس أمَّةً لا يؤخذ لضعيفها من قَويِّها» وقال (ص): «الناس سواسية كأسنان المشط»، ورُوِي عنه أنّه قال (ص): «الملك يدوم بالكفر ولا يدوم بالظلم»، وقال (ص): «لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلّا بالتقوى». وسار الحسين (ع) على خُطى أبيه أميرالمؤمنين (ع)؛ الذي قال (ع): (إمرتكم عندي لا تُساوي ورقة في فم جرادة إلّا أن أقيم حقاً أو أدفع باطلاً). ثورة الحسين (ع) من أجل الإنسان أيّاً كان سواء كان مسلماً أو غير مسلماً، من أي بلدٍ كان وإلى أي أم ينتمي. لأنّ الظلم عندما يقع لا يخُصّ المؤمنين وحدهم بل يشمل كلّ طبقات المجتمع كما حدث زمن بني أمية. لم يكن الظلم يخُصّ بني هاشم وحدهم. انّما كلّ طبقات المجتمع. ثورة الحسين (ع) حركة اجتماعية من أجل الإنسان وصرخةٌ في أعماق التاريخ اخترقت حاجز الزمن حتى اسقطت عرش بني أمية وزلزلت عروش الكثير من فراعنة الدهر. من هُنا نفهم العامل الاجتماعي لحركة الإمام الحسين (ع) الذي رأى المجتمع أوشك على السقوط في الهاوية فايقظ النفوس والضمائر وحرّكَ المشاعر، وأرهف الإحساس بالعزة والكرامة، وجعل الشهادة طريقاً للحرية والعدالة. الثورات في العالم قدمت عطائها في مكان وزمان محدودين. وسعت إلى قلب نظام الحكم وتغيير البنى الفوقية للمجتمع. أما ثورة الحسين (ع) فكانت أكبر من ذلك بكثير.
وأهدافها أبعد أثراً من ذلك. انّها ثورة بالمفهوم اللغوي ولكنها لم تكن كذلك بنتائجها وآثارها الخطيرة. إذ كانت زلزالاً دَكِّ عروش الظلم. انّها سعت إلى تغيير الإنسان ذاته وإعادة المسلم إلى قيمه الحضارية ومنظومته الفكرية التي شوهتها الخلافة الأموية. انّها ثورة سعت إلى تغيير البنى التحتية للمجتمع وإلى تغيير الأجيال.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق