للإمام الحسين (عليه السلام)، مكانة عظمى، لما يحظى به (عليه السلام) من مقام رفيع، بلغ القمة السامية في دنيا المسلمين. فالحسين (عليه اللسام) خليفة الله ورسوله في الأرض، فهو منبع القيم والفضائل بل هو القرآن في سلوكه وسيرته.
ولعظم منزلته كان الناس إذا التقوا به أثناء مسيره إلى الحج ماشياً، ينزلون عن ركائبهم إجلالاً له وإعظاماً. إنّ إدراكنا لمكانة الحسين (عليه السلام) الاجتماعية في دنيا المسلمين، يجعلنا ندرك مدى تواضعه، إذ ألفيناه يتعامل مع أبسط الناس في المجتمع بذلك السلوك الإنساني الرفيع.
عندما نقرأ سيرة الإمام الحسين (عليه السلام) ونستمع إلى كلماته وشعاراته نجد أنّ الهدف الذي كان يصبو إليه ويسعى إلى بلوغه هو الإصلاح في أُمّة جده والإصلاح كلمة تحمل أكثر من معنى. فالمجتمع الذي يعاني من نقص أو انحراف في أحد جوانبه فالإصلاح هو سد ذلك النقص ومعالجة ذلك الانحراف.
كان الإمام الحسين (عليه السلام) يعالج المشاكل العقائدية والأخلاقية والنفسية بأسلوبه وأدبه وغزارة علمه. وكان يُجيب عن كلّ سؤال يوجّه إليه وهو يحدّث الناس في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ يجتمع إليه الناس ويلتقون حوله على شكل حلقات وهو يحنو عليهم ويتلطّف بهم ويلقي عليهم ما هم بحاجة إليه من مسائل العلم والفقه. كانت أخلاق الإمام الحسين (عليه السلام) وأسلوب تعامله مع الناس، مثلاً يُحتذى ومنهجاً يُقتدى.
لقد عاش الإمام الحسين (عليه السلام) مع الناس وإلى الناس، فشمل عطاءه كلّ الناس وقد ملأت أفكاره التحررية الفضاء، وعمت الأرجاء وبيّضت صفحات التاريخ بمداد من نور وبذلك أصبح سفينةً أبدية لجميع البشرية، تنقذها من عصور الظلام إلى شاطىء الأمان ورضا الرحمان.
كان الإمام الحسين (عليه السلام)، أستاذاً في «فن العطاء والفداء»، لقد أعطى ماله وما كسب في سبيل الإنسانية فضحّى بعياله وأطفاله وحياته، إنّه بحقّ قربان آل محمّد.. من أجل خلاص البشرية وتبعاً لذلك، فعطاء الإمام الحسين لا يختص بأحد لأنّه أعطى وضحّى من أجل الله، والله لا يختص بأحد، وليس حكراً على أحد، بل يستطيع كلّ إنسان أن يتزود من عطاء الإمام الحسين الخالد ويمكن أن يرفع بيرقه ويدعو الناس إليه لكي يتزودوا من عطائه الفكري والروحي الذي لا ينفد بل هو متجدد، يَسَع الدنيا، وما على البشرية المعاصرة إلّا أن تحوّل حبّ الحسين (عليه السلام) إلى طاقة دافعة، تقذف بحمم الحقّ على الباطل، وتدك معاقل الجور وتمزق قيود الجهل والظلام وتزيل تحكّم الأهواء، وبذلك تتحقق إنسانية الإنسان.
إنّ الحديث عن الإمام الحسين (عليه السلام) غني بالمواد وبكلّ معاني النيل والتضحية والفداء لأنّه يأتي في القمّة بين المصلحين، وعظماء التاريخ والثائرين على الظلم والطغيان، وقد أبت نفسه الكريمة الطاهرة إلّا أن تكون القدوة الحسنة والمثل الأعلى لكلّ مُصلح ثائر على الظلم والظالمين، ولكلّ أبيٍّ كريم يؤثر الموت تحت ظلال السيوف على الحياة بين أطمار الذلّة وفي ظلّ الجبابرة، وختم حياته والسيوف تنهش من جسمه وهو يقول: «لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل لا أقرّ لكم إقرار العبيد»، ولا يزال سيِّد الشهداء رمزاً للبطولات والتضحيات، وحديثاً كريماً للأجيال تستمدّ من معانيه وأبعاده الخيّرة أقدس المثل، وأكثرها عطاءً في تاريخ البشرية الطويل. وها هو التاريخ يصرخ عالياً وتردّده الأجيال بتلك الثورة العملاقة فقد أحدثت في المجتمع الإسلامي هزّة واضحة وزلزالاً عنيفاً.مقالات ذات صلة
ارسال التعليق