• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الحقيبة المدرسية هي المذنب الأول.. وليس الأخير

محمد عبود السعدي

الحقيبة المدرسية هي المذنب الأول.. وليس الأخير
وجع الظهر عند الطفل بعد مضي بضعة أسابيع على العودة إلى المدارس، لا يندر أن يشكو بعض الأطفال من آلام في الظهر. والسبب: ثقل الحقائب المدرسية الزائد على اللازم. يشكل ذلك الثقل أهم الأسباب، لكنه ليس السبب الوحيد، فثمّة عوامل أخرى تضر بظهر الطفل. أجمعت دراسات جادة عديدة، أجرتها مؤسسات صحية وطبية وتربوية في بلدان مختلفة من العالم خلال السنوات الأخيرة، على أن وزن الحقيبة المدرسية لا ينبغي أن يتجاوز 10 في المئة من وزن الطفل. وبطبيعة الحال، هذا ينطبق بشكل خاص على الأولاد الذين يذهبون إلى المدرسة سيراً على الأقدام، لاسيما إذا كانت على مسافة لا يستهان بها بين المنزل والمدرسة. فما بالكم وحالات كثيرة نرى فيها طفلاً يزن 40 كيلوغراماً، على سبيل المثال، لكنّه يذهب إلى المدرسة مثقلاً بحقيبة بوزن 7 كيلوغرامات، وربّما أكثر، أي تتجاوز بشكل ملحوظ حد الـ4 كيلوغرامات الذي ينصح به كحمل أقصى ملائم لطفل في ذلك الوزن؟   - حذار من تشويه العمود الفقري: الكتب والدفاتر والقرطاسية واللوازم المدرسية، التي تضاف إليها أحياناً لوازم رياضية ومأكولات ومشروبات ووسائل إيضاح، كل ذلك يزن كثيراً، أكثر مما يطيقه تكوين الطفل الغض. ينجم عن ذلك إرهاق الطفل وإنهاكه، وطبعاً التسبب في آلام الظهر، بل ربما أيضاً، في بعض الحالات، تتسبب في ما هو أكثر وبالاً: تشويه العمود الفقري واعوجاجه، بالتالي ترك تداعيات مزمنة. وهذه من النتائج العرضية لتطور المناهج المدرسية، وتنوعها، وزيادة وسائل التربية والإيضاح، بالتالي إثقال التلامذة بأوزان إضافية لم تكن معروفة لدى الصغار قبل جيل أو جيلين.   - نصائح: هكذا، بات على الآباء والأُمّهات الانتباه لما يحمله أطفالهم وتوخي عدم تحميلهم أكثر من 10 المئة من أوزانهم. وفي ما يلي بعض النصائح: * عند شراء حقيبة مدرسية، اختاري مطلبك بعناية واحرصي على اقتنائها خفيفة، وملائمة لطبيعة ظهر طفلك. فكري في الحقائب المزودة بعجلات صغيرة، على غرار حقائب السفر. فهذه من شأنها إراحة الطفل مسافات لا بأس بها، عندما تتوافر فرصة سحبها ولو على قسم من الطريق، لاسيما إذا كانت المدرسة بعيدة نوعاً ما عن البيت، إلى ذلك، ثمّة حقائب مزودة بحُزم مشعة، لها فائدة كبيرة في الظلام، إذ تتيح لسائقي المركبات الانتباه للطفل من مسافة مناسبة. * احرصي على ألا يأخذ طفلك معه إلى المدرسة سوى ما هو ضروري لذلك اليوم. فغالباً ما ينسى الأطفال لوازم وكتباً لا يحتاجون إليها لليوم التالي، أو يتكاسلون في وضعها جانباً. عوِّدي طفلك على جرد محتويات حقيبته مساء كل يوم، تفادياً للعجلة في الصباح قبيل الذهاب إلى المدرسة، ما قد يشجعه على ترك الأشياء مثلما هي، حتى وإن لم يكن في حاجة إليها لذلك اليوم المدرسي. * حذار من الحاجات "على الموضة"، التي غالباً ما يحملها الصغار من دون أن تكون ذات فائدة. * عوِّدي طفلك على عدم حمل الحقيبة سوى عند الضرورة. مثلاً، أوصيه برفعها حالما يجلس في السيارة، أو في أوتوبيس النقل المدرسي (الحافلة)، إذا كان يستخدم تلك الوسيلة، وأيضاً أثناء انتظار فتح باب المدرسة، في حال وصوله مبكراً، أو انتظار الدرس الأوّل أمام باب الصف. فكلما أزاح الحقيبة عن ظهره، كان ذلك أفضل له. لذا، من المستحسن تعويده على تحيُّن أي فرصة يمكن خلالها أن يضع الحقيبة أرضاً، ولو لدقيقة أو دقيقتين.   - المقاعد أيضاً: ينبغي الإشارة إلى أن مدارس عديدة، وإثر تزايد وزن محتويات الحقائب المدرسية بدأت تنصُب صناديق قابلة للغلق بمفاتيح ضمن مبنى المدرسة، لكي تتيح للتلامذة تخزين الحوائج الثقيلة، بدلاً من إرجاعها إلى البيت، ثمّ جلبها في اليوم التالي. هكذا، في حال توافُر الفرصة، من الأفضل تسجيل طفلك في مدرسة تعتمد مثل تلك التسهيلات. لكن الحقائب المدرسية ليست سبب العلة الوحيد، وإن كان أهمها. فمقاعد الدراسة، "الرحلات"، تلعب أيضاً دوراً مهماً، ولا يندر أن تتسبب في ألم القطن، حتى عند الأولاد، وأوجاع أخرى في العمود الفقري. في هذا الشأن، أوصى الباحثون لعقود طويلة، باستخدام مقاعد تؤمّن وضعاً عمودياً لظهر الطفل عند الجلوس. لكن، في السنوات الأخيرة، بدأت تلك النظرية تجد من يعارضها من بين متخصصين آخرين. ففي رأي هؤلاء، من الأفضل تصميم المقاعد بحيث تتيح للتلميذ الانتقال بسرعة من وضع جلوس منتصب، للانتباه إلى الدرس، إلى وضع انحناء للكتابة أو الإملاء أو أخذ الملاحظات أو قراءة الدروس، وما إلى ذلك. وثبت فعلاً أنّ الوضعيتين متباينتان في متطلباتهما المتعلقة بتصميم الأثاث المدرسي.   - صراع الأجيال: ثمّة عامل آخر، يبدو غريباً نوعاً ما، لكن بعض المتخصصين فطنوا إليه تثبت الإحصاءات أن معدل طول الأولاد بدأ يتزايد من جيل إلى جيل، لاسيما لدى أبناء الجيل الأخير. ليس المهم معرفة أسباب هذا الطول الزائد، فهي تنصبُّ جوهرياً على تحسن التغذية وتطور العناية الصحية ومتابعة الأطفال طبياً منذ نعومة أظافرهم. المهم أن قِطع الأثاث المدرسية، في معظم البلدان وفي أغلبية المدارس، لم تواكب هذا التغير. هكذا، فالمقاعد التي صًممت، مثلاً، قبل 30 سنة لأولاد من صف معين، في سن معينة، وبمعدل طول وتركيب بدني معين، لم تعد مناسبة لأولاد أولئك الأولاد، التلامذة الحاليين، الذي هم أطول من آبائهم وأنضج بنية. ولم يعد نادراً رؤية أولاد، لاسيما الذكور، في سن 13 لكنهم في طول آبائهم، وربما أكثر. لذا، من المستحسن أن تطّلعي على طبيعة الأثاث المدرسي، والتأكد من تصميمه وفق مقاييس ومواصفات تؤمن راحة أكبر لطفلك، وملائمة لطوله وتركيبته البدنية، لاسيما عند بلوغه مرحلة نهاية الطفولة وبداية المراهقة. فتلك عوامل مهمة، وإن كان ثقل الحقيبة المدرسية العامل الأهم، لاسيما قبل سن 12 عاماً.

هذا في ما يخص المدرسة. لكن، في البيت أيضاً، ينبغي مراقبة وضعية جلوس الطفل، ومنعه (بلطف، طبعاً) من الجلوس بشكل مترهل أمام التلفاز ساعات، ومراقبة طريقة جلوسه بشكل عام، وإفهامه أنّ الوضعيات غير السليمة، كالتمطط والالتواء، ستؤدي قطعاً إلى وجع في ظهره، عاجلاً أم آجلاً. ولا داعي للتذكير بأن عليك حضه دوماً على الحركة والتمارين، وتفادي الجلوس مطولاً.

ارسال التعليق

Top