• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الحنين إلى المراهقة

د. فوزية الدريع

الحنين إلى المراهقة

◄حياتنا مراحل، وكلّ مرحلة لها ظروفها وحلاواتها ومراراتها. فلماذا يريد البعض ألا تمر مرحلة معينة، أو يريد أن يعيش أكثر من مرحلة، ثمّ يعود للمرحلة التي مضت؟

عند نساء ورجال الأربعين، هناك حالة غير منطقية، وهي الرغبة في الرجوع إلى مرحلة الشباب والمراهقة.

وهذه الأمنية هي اعتقاد وهمي بأنّ المرحلة التي يعيشون فيها مملة، والمرحلة التي تخص المراهقة وبداية الشباب مثيرة.

أنّ التمتع بالمرحلة التي يعيشها الإنسان هو الفن الذي يجب أن يجيده الإنسان، ويفترض بالأهل أن يربوا أبناءهم مبكراً على فن المتعة في عيش كلّ مرحلة.. وهنا نقطة مهمة يجب وضعها في الاعتبار وهي أنّ المقصود بالمتعة ليس التفلت بلا حساب، بل التمتع بمسؤولية بما يجب ولا يجب. فأكبر أخطاء المتعة ربطها بالحرية المفرطة وأذى الذات. الحرية والمتعة هما هدية للذات، لا أذى لها.

وعودة إلى لعبة التمني عند رجال ونساء الأربعين بالعودة للشباب.. أقول لهم:

·      هناك أمانٍ ممكنة وأمانٍ غير ممكنة، بل مستحيلة. وحكاية العودة لمرحلة فاتت مسألة مستحيلة، فلماذا هدر الطاقة بأمانٍ وهمية لن تحدث؟

·      حتى لو فكر البعض بحلاوة تلك المرحلة ومشاعرها اللذيذة، وحتى لو حصل وتوافرت كلّ الظروف للعودة إليها، فمَنْ يقول لك إن تلك المرحلة ستتكرر بالمشاعر ذاتها لو تمت إعادتها الآن؟ حلاوة كل مرحلة أن لها نضجاً عاطفياً ووجدانياً خاصاً بها. لو وفرنا  كلّ الظروف الأخرى لها، فما نتخيله من لذة وسعادة، غالباً لن يحصل في عمر الأربعين، لو كررنا ما كنا نفعله في سن 18 سنة.

·      حين كنا صغاراً  كنا نتقبل كلّ شيء فينا، كما يتقبله الآخرون منا. لكن، لو كررنا في الخامسة والأربعين السلوك الذي كنا نسلكه عندما كنا في الثامنة عشرة، فسنجد استهجاناً من قبل الآخرين.

وبدلاً من أن نجد متعة سنجد استغراباً ورفضاً لنا.

لكن السؤال الأساسي هو: لماذا يريد رجل أو امرأة الأربعين العودة إلى متعة ماضية؟ إنّ الإجابة عن هذا السؤال هي التي توصلنا إلى السبب ورصد المشكلة من أساسها.

·      صحيح إنّه قد يحصل ألم نفسي لدى البعض نتيجة الإحساس بأن هناك مرحلة عمرية عنده مرت من دون أن يستمتع بها. وهذا الإحساس غير المريح يترك فراغاً ويستدعي الإشباع. لكن تعويض ما فات لا يكون بجعل الذات موضوع سخرية، بل أن نركز على المتعة، ولكن المتعة التي تناسب عمرنا. ومسألة أن نكون منشدين إلى متعة أيام المراهقة أو عمر الـ18، مسألة غير مجدية.

·      وهناك نقطة أخرى مهمة يجب تذكرها، وهي أنّ الإنسان بطبعه غير قنوع، يتطلع دائماً إلى المختلف، وكلّ مرحلة ماضية قد تبدو له مرحلة أجمل. وأكبر دليل هو أن تتذكر أن معظم بنات الثانوية وصبيان المراهقة يتطلعون إلى النضج كشيء رائع يستحق أن يصلوا إليه، وحين يصلون يصبح شعارهم: "ألا ليت المراهقة تعود يوماً".

لذا، فالحكمة هي التمتع بكل ما هو ممكن، وفي أي عمر، بشرط ألا يوصل الإنسان نفسه إلى السخافة التي تهز مقامه وصورته.►

ارسال التعليق

Top