• ٢٠ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٨ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الدعاء.. رغبة في التوجه لربّ العباد

عمار كاظم

الدعاء.. رغبة في التوجه لربّ العباد

الدعاء هو حلقة الوصل بين العبد وربّه متى افتقدها أو أغفلها فقد تاه في أزقة الضلال الملتوية، لا يمكنه الخروج منها إلّا باستعادتها بلطف من الله وإرادة وتصميم من العبد. يذكر أنّ للدعاء في اللغة معانٍ كثيرة منها: الدعاء هو (الرغبة إلى الله...)، وفي القرآن الكريم يحتمل معانٍ عديدة منها، (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (يونس/ 25). (وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ* تَدْعُونَنِي لأكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ) (غافر/ 41-42). (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة/ 186). لذلك فإنّ الدعاء طلب من العبد واستجابة من الربّ أو توجه من العبد نحو ربّه وإقبال من ربّ العزة نحو عبده. وضرورة الدعاء في الحياة تتجسد في بعدين، البعد المادي والبعد المعنوي: أما الجانب المادي فإنّ الإنسان فطرياً يلتجئ إلى الدعاء في احتياجاته الدنيوية: لرفع الفقر والمرض والخوف ولدفع التحديات التي يواجهها من الآخرين تمسكاً بالطرق العملية للدعاء. ولزرع الطمأنينة عنده والثقة بالنفس في مواطن اهتزازها. أما الجانب المعنوي: فهو أمير غير مادي، قد لا يستطيع الإنسان وصفه، كالحركة نحو الكمال والعشق القلبي الذي يجر الإنسان نحو مركز القوى والشوق إلى الاتصال بعالم يؤمن به كلّ الإيمان وهو غير قادر على توصيفه؛ لأنّ هذا الوجود يحيط به من كلّ جانب. وهذا ما يشير إليه القرآن الكريم: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) (ق/ 16)، (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ) (الواقعة/ 85). إذاً للدعاء في حياة الإنسان معنى الانفتاح على الله والإقبال عليه في إحساس عميق بالحاجة إليه على أساس الفقر الذاتي المتمثل في عمق كيانه والعبودية التي توحي بانسحاق وجوده أمامه وذوبان إرادته أمام إرادته.. وهو في الوقت نفسه عبادة حية متحركة لا تخضع لتقاليد العبادة فيما هو الزمان المحدود، والمكان المعين والكلمات الخاصة والأفعال المحدّدة.. بل يأخذ الإنسان حرّيته معها في الوقت الذي يختاره وفي الحالة التي يكون عليها وفي المكان الذي يقف فيه وفي الكلمات التي يختارها وفي اللغة التي يتحدث بها، وفي المضمون الذي يعبّر عنه... فيستطيع أن يدعو ربّه قائماً وقاعداً ومضطجعاً وسائراً وواقفاً و... في الصباح وفي المساء وفي الظهيرة، في قضاياه الصغيرة والكبيرة وفي أحاسيسه الذاتية، ومشاعر المتصلة بالآخرين. إنّ الدعاء هو روح الدين وبدونه لا معنى للدين في نفوس المؤمنين ولن تجد ديناً لا يشتمل على أدعية خاصة وعامة.

 إنّ الإيمان بالله الواحد الأحد هو أساس الأديان السماوية، والدعاء هو الباب التي يأتي العبد منها ليناجي ربّه ويرتبط به ويدعوه كيف ما يحلو له، به يرتفع العبد من أدنى مراتب الوجود المادية إلى أعلى درجات السمو ليقترب إلى العرش الربوبي ويصل إلى قاب قوسين أو أدنى. الدعاء يحمل في طياته أروع المفاهيم التربوية والحكم العقلانية والصلابة الإيمانية. فيه يتحول الخطاب من محطة سفلية ودنية إلى جانب ربوبي، علوي يكشف الإنسان كلّ ما لديه من أسرار خفية على بني نوعه، ليتخلى عن رذائل الصفات المستورة ويتحلى بأفضل النعوت الموهوبة من ربّ رحيم لتجسيد الخلق والخلق العظيم في أضيق بقعة من كائنات ربّ العزة والعظمة.

ارسال التعليق

Top