• ٢٥ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الدعاء في السراء والضراء

عمار كاظم

الدعاء في السراء والضراء

الدعاء مفتاح الحاجة، ومعنى ذلك أنّ الحاجة لم تكن في مُتناول أيدي الفاقد ثمّ توفّر عليها بعد الاستجابة لدعائه، ممّا يعني أنّ هنالك دوائر كمالية مُغلقة لا ينفذ إليها الفاقد إلّا بوسيلة استثنائية، وهي الدعاء، فيكون الدعاء مفتاح مغاليق تلك الدوائر المغلقة، وقد ورد في ذلك عن أمير المؤمنين (ع) "الدعاء مفاتيح النجاح ومقاليد الفلاح"، فهو وسيلة النجاح لفتح مغاليق الكمالات التي يصبو إليها الفاقد. وحيث إنّ هذه الدوائر تضمُّ كلّ كمال مادّي ومعنوي لم يطله العبد الفاقد، فإنّ الدعاء سوف يكون مفتاح مغاليق العالم بأسره، أو هو على أقلّ التقادير طريق واضح للوصول إلى تلك الدوائر المغلقة، من هنا يتأكّد لنا المعنى الجليّ في الحديث المرويّ عن الإمام جعفر الصادق (ع) حيث يقول: "الدعاء هو العبادة التي قال الله عزّوجلّ: (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي) (غافر/ 60)...، ادعُ الله عزّوجلّ ولا تقل: إنّ الأمر قد فرغ منه". وإنّه يدفع القضاء المبرم، وهذا من أنصع الصور على كونه السر في فتح تلك المغاليق، فإنّ القضاء المبرم يعني غلق السُّبل أمام الفاقد، وما من شيء ينفذ به تجاه تلك الدوائر ليغيّر مجرى الفقدان إلى الوجدان، غير الدعاء. وقد كان الإمام عليّ بن الحسين (عليهما السلام) يقول: "الدعاء يدفع البلاء النازل وما لم ينزل"، وقد أوضح لنا الإمام الرضا (ع) المراد من البلاء الذي لم ينزل، فعن عمر بن يزيد قال: "سمعت أبا الحسن الرضا (ع) يقول: "إنّ الدعاء يردُّ ما قد قُدِّر وما لم يُقدَّر، قلت وما قد قُدِّر عرفته، فما لم يُقدَّر؟ قال: حتى لا يكون". وممّا حثّ عليه أهل البيت (عليهم السلام) في مجال الدعاء: التواصل في الدعاء، فيكون العبد داعياً راجياً لربّه تعالى في السرّاء والضرّاء، في الشدّة والرخاء، لأنّ الهدف الأعظم من وراء التزوُّد بثقافة الدعاء ليس قضاء الحوائج، فذلك أمر عرضيٌّ عند العارفين بالله تعالى، وإنّما الهدف الأعظم والحقيقي هو نيل القرب من الله تعالى، ونيل القرب ليس مقروناً بالضرّاء أو الشدّة ليتوقّف الدعاء عند ذلك. كما أنّ العبد هو أحوجُ للدعاء في السرّاء والرخاء منه في الشدّة والضرّاء، كما أنّ الرخاء أوجب للدعاء منه في الرخاء، وقد ورد هذا المعنى عن أمير المؤمنين عليّ (ع) إذ كان يقول: "ما من أحد ابتلي، وإن عظمت بلواه، بأحقِّ بالدعاء من المعافى الذي لا يأمن البلاء"، ومن الواضح بأنّه لا يوجد عاقل يأمن البلاء في حلِّه وترحاله، فما دامت الحركة والتحوّل والتبدّل قوام وجود الإنسان، فلا يبقى حال على حال. والشكر باب من أبواب الدعاء، ثمّ إنّه لا يُعلم أين مكامن استجابة الدعاء عند الشدائد، فلعلّ ذلك يكمُن في الدعاء عند الرخاء، كما قال الصادق (ع): "إنّ الدعاء في الرخاء يستخرج الحوائج في البلاء"، وأيضاً: "تعرّف إلى الله عزّوجلّ في الرخاء يعرفك في الشدّة". ثمّ إنّ الدعاء في الرخاء كاشف إنّي عن الكمال الإنساني الذي عليه الداعي، بخلاف الدعاء في الضرّاء فإنّه لا يكشف عن ذلك سلباً وإيجاباً، لأنّ الدعاء هو تعبير آخر عن الانقطاع إلى الله تعالى، وهنالك فرق عظيم بين الانقطاع الاضطراري الذي يُلازم الدعاء في الضرّاء، وبين الانقطاع الاختياري الذي يُلازم الدعاء في السرّاء. إنّه الدعاء أن ترفع يدين طاهرتين إلى ربّ كريم تسأله سؤال تضرع وذل ومسكنه وحاجة وافتقار إلى صاحب الجود والإنعام والرحمة والإحسان، تدعوه متأدباً بآداب الدعاء فإنّ هذا الدعاء لا يرد بإذن الله أبداً أيها العبد الفقير المسكين ارفع يديك وادع الله فإذا دعوته سيستجيب لك فإنّ الله جعل على نفسه حقاً أنّك إذا دعوته ورجوته أن يستجيب لك مباشرة (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) (غافر/ 60)، وقال (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة/ 186). فالدعاء دال على قرب صاحبه من الله فيسأله مسألة القريب للقريب لا نداء البعيد للبعيد .فاحمل همّ الدعاء ولا تحمل همّ الإجابة.

ارسال التعليق

Top