• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الدعوة إلى التكاتف والتكافل الإنساني

عمار كاظم

الدعوة إلى التكاتف والتكافل الإنساني

قال النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم): «مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم مثلُ الجسد، إذا اشتكى منه عضو: تَداعى له سائرُ الجسد بالسَّهرِ والحُمِّى». هنا يحثّنا رسولنا الكريم في الحديث الشريف فيبيّن: فكما الجسد الواحد في تعاضده وتكامله، كذلك المجتمع الصالح المتآزر في وحدة بنيه وتكاملهم وتعاونهم لما فيه خير المجتمع وصالحه العام. وغير خفيّ أنّ التكافل الإنساني هو مسؤولية مشتركة وخلّاقة في جميع المجتمعات الإنسانية، حيث تدلّ آثار الحضارات القديمة منذ آلاف السنين على تجارب المجتمعات من حيث التكامل والتعاضد بين طبقات المجتمع وشرائحه.. وتبيّن لنا بقايا الفسيفساء والمنحوتات في العصور الغابرة من التاريخ، صوراً رائعة للمدن أو القرى القديمة في مواسم جمع الغلال أو الحصاد، وكذلك في مواسم العمران أو البناء.. حيث يلتقي أبناء المجتمع بشتّى أصنافهم وطبقاتهم وشرائحهم الاجتماعية في حلقاتٍ متصلة كخلايا النحل  ـ بالرغم من النظام الطبقي الحادّ الذي كان سائداً آنذاك ـ وذلك في سبيل تشييد برج، أو بناء مدّ شبكات المياه بين المدن والقرى والأرياف.. وغيرها من الأعمال الجماعية التي تمثّل نموذجاً رائعاً في التكامل الإنساني على طريق بناء الحضارة والعمل الجماعي المتآزر في سبيل المصلحة الإنسانية المشتركة.

ومع بزوغ فجر الأديان والشريعة السمحاء، أكّدت جميع الرسالات السماوية ضرورة التكامل والتعاضد المجتمعي، لما فيه مصلحة البشرية جمعاء.. من هنا، التقت جميع الكُتُب والمناهج السماوية على ضرورة التواصل الإنساني عبر التكافل الاجتماعي، بما يؤدِّي إلى ردم الهوّة القائمة بين الأغنياء والفقراء، وكذلك إعالة المحتاجين، وسدّ حاجتهم، بما يكفل لهم حياةً كريمةً وعزيزة، تسدّ عنهم ذلّ السؤال، وتكفيهم وطأة الفاقة. وفي الإسلام الحنيف، كانت الدعوة إلى التكاتف والتكافل من المبادئ الأساسية التي نادى بها الدِّين، فكان الحضّ على إيجاد التعاون بين أفراد المجتمع في كلّ أمرٍ فيه خير وصلاح للمجتمع ولبنيه، في مواجهة الظروف الصعبة، وتعقيداتها القاسية. ذلك لأنّ الخير وحده هو الذي يؤدِّي إلى استقرار المجتمع وسلامة بنائه، وبعده عن أيّ خلل اجتماعي يؤدِّي إلى فرقة أبنائه، أو إلى شيوع مشاعر الكراهية والحقد والحسد والبغضاء.

وقد جاء الأمر صريحاً عن التعاون الإيجابي، كما جاء النهي صريحاً عن التعاون السلبي، وذلك في قول الله عزّوجلّ: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (المائدة/ 2). وفي الأحاديث الشريفة أحاديث كثيرة تحثّ على التعاون المثمر المفيد، الذي ينقذ من شدّة، ويفرج عن كربة، ويسعف من حاجة، ويغني عن عوز. وقد بيّن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّ إدخال السرور على قلب المسلم يعدّ من أحبّ الأعمال إلى الله عزّوجلّ، بأن تكشف عنه غمّاً، وتغطّي عنه دَيناً، أو تدفع عنه جوعاً.

كما يؤكِّد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى مسألة اجتماعية، وهي أن تشعر بأنّ هناك فقراء لا يجدون من الغذاء ما تجده أنت، وهناك مساكين لا يملكون العيش الكريم: «وتصدَّقوا على فقرائكم ومساكينكم»، كلٌّ بحسب قدرته، فإنّ الصدقة تطفئ غضب الله، وتنمِّي للإنسان رزقه، وتشفي للإنسان مرضه. ويعالج النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً مسألة اجتماعية في تعامل الأجيال بعضها مع بعض: «ووقّروا كباركم، وارحموا صغاركم، وصلوا أرحامكم»، فالنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يريد للعوائل أن تتواصل وتتراحم. أمّا الأيتام، فهم أمانة الله في كلِّ مجتمع، وعلى المجتمع أن يتكفّل بهم، ويتحنّن عليهم، وأن يحافظ على أموالهم، وأن يتحمَّل مسؤوليّتهم في كلّ ما يمكن الإنسان أن يقوم به من تربيتهم وتعليمهم: «وتحنَّنوا على أيتام الناس يُتحنَّن على أيتامكم». وقد أوصى الإمام عليّ (عليه السلام) بالأيتام بما يشبه الاستغاثة، فقال (عليه السلام): «الله الله في الأيتام، فلا تغبُّوا أفواههم، ولا يضيعوا بحضرتكم»، بل احفظوهم كما تحفظون أولادكم، واحموهم من الضَّياع في متاهات الحياة، حتى تنشئوهم ليكونوا مواطنين صالحين. وأخيراً، عن الصادق (عليه السلام): «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يخونه، ويحقّ على المسلمين الاجتهاد في التواصل والتعاون على التعاطف والمواساة لأهل الحاجة، وتعاطف بعضهم على بعض، حتى تكونوا كما أمركم الله تعالى (رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ)، متراحمين، مغتمّين لما غاب عنكم من أمرهم على ما مضى عليه معشر الأنصار على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)».

ارسال التعليق

Top