• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الزُّهد.. وعي وعمل

محمّد عبدالله فضل الله

الزُّهد.. وعي وعمل

◄قيل في الزُّهد الكثير، ومن ذلك، ترك الحرص في الدُّنيا، وترك ما لا ينفع في الآخرة. وقيل في الزُّهد: ليس الزُّهد في الدُّنيا بتحريم الحلال ولا إضاعة المال، ولكن أن تكون بما في يدي الله أوثق منك بما في يديك، وأن تكون في ثواب المصيبة إذا أصبت بها، أرغب منك فيها لو لم تصبك.

وورد الكثير من الآيات القرآنية التي تشير إلى التزهيد في الدُّنيا الفانية وما فيها من زخارف، منها قوله تعالى: (قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ) (النِّساء/ 77). وقوله تعالى: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأمْوَالِ وَالأوْلادِ) (الحديد/ 20).

ويدعونا الله تعالى إلى تربية النفس على عدم التعلّق بشيء من هذه الدُّنيا، وعدم الاستغراق فيها إلى درجة الخروج عن الطبيعة، بحيث يعيش الإنسان العجب والكبر في نفسه بما بين يديه وما قد فاته ولم يحصِّله، وإلى أن يكون غير متأثّر بأيّ شكل من أشكال الفتنة في الدُّنيا، من مال ومنصب وولد وجاه وحظوة ووجاهة، وأن يعرف أنّ لهذه الأُمور والمتاع حدوداً وغايات يجب مراعاتها وعدم الانحراف من خلالها، فهي فانية في لحظة من اللحظات، فلا تمتلك خلوداً في ذاتها ولا ديمومة، لذا عليه أن يبقى عبداً طائعاً لله، محافظاً على دينه، مهما ملك من الدُّنيا، فلا ينسى ربَّه ولا دينه ولا آخرته، قال تعالى: (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) (الحديد/ 23).

والزُّهد في الدُّنيا ليس معناه الانعزال عن الحياة وهجران المسوؤليات والتهرّب من مواجهة أزمات الواقع، فهذا لا يعدُّ زُهداً، إنّما الزُّهد الإيجابي أن يقتحم الإنسان تحدّيات الحياة، ويستثمر طاقاته في إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل، من خلال ممارسة دوره الطبيعي في تحمّل الأمانة، فالله تعالى يريد منّا أن نكون زُهّاداً مخلصين فاعلين في الحياة، لا هاربين من إحيائها بالحقّ والعدل ونشر الفضائل.

كما أنّ الزُّهد في الدُّنيا معناه ترك المعاصي وهجران الذنوب، والإقبال على كلّ عمل وموقف حقّ يقرّبنا من الباري تعالى، ويزيدنا سموّاً في عقولنا ومشاعرنا وقلوبنا، حيث تنفتح على الخير والرحمة والمحبّة والمودّة ونبذ العصبية والحقد والرذائل.

الزُّهد معناه أن يصبح المرء في مرتبة عالية من النُّضج والوعي والإدارك لكلّ قضايا الحياة والوجود، فلا يعيش طول الأمل في الدُّنيا، بل يكون أمله قصيراً، عارفاً بأنّ ما فيها سرعان ما يذوي، فيسرع في الزيادة من الأعمال النافعة التي تبرز مدى إخلاصه مع ربّه وصدقه في طاعته وإيمانه.

فلننتبه من استغراقنا في المظاهر الدنيوية والحرص عليها، ولنكن من عباد الله الزّاهدين الواعين الفاعلين في الحياة، الذين يحملون في نفوسهم كلّ خير، ويغدقون من مشاعرهم ومواقفهم كلّ رحمة وفضيلة على مجتمعهم.

وفي هذا السياق، نستحضر كلمةً عن الزُّهد قالها أمير المؤمنين عليّ (ع): «الزُّهد تقصير الآمال وإخلاص الأعمال».►

ارسال التعليق

Top