تحقيق: سهى هشام الصوفي
النساء أكثر شغفاً من الرجال بمتابعة المسلسلات الدرامية
قد يكون السهر في الشهر الكريم عبارة عن حالة طبيعية لا تلفت الانتباه، وقد يكون السهر أمام التلفزيون، حالة طبيعية أخرى، خاصة ونحن أمام "تسونامي" درامي تقدمه لنا الفضائيات على طبق من فضة. ولكن، أن نسهر حتى الفجر، بحجة أننا نتابع مسلسلاً، ولا نستطيع النوم من دون معرفة أحداثه، فهذا أمر يستحق التوقف والسؤال.
الناس والتلفزيون، أو التلفزيون والناس، علاقة سنوية، تتجدد في شهر رمضان، إطارها جدران أربعة، وسقف واحد، وضوء خفيف يأتي من ذلك الصندوق الصغير الذي يسمى "تلفزيون". أما زمانها، فمفتوح، لا ساعة تحدده، ولا توقيت يوقف هذا الجلوس الطويل أمام الشاشة الصغيرة، والحجة كما يرددها الساهرون: "رمضان".
- ليل مفتوح:
"ليلي نهار، ونهاري ليل"، عبارة تختصر الكلام وتوجز جوهره، وكأن هنادي بهذا الاعتراف تحول الليل في رمضان إلى زمن مخصص للمسلسلات. فالليل في عرفها مقسوم إلى نوعين: ليل على مدار العام، وليل على مدار 30 يوماً رمضانياً، الأمر الذي يجيز لها حسب تعبيرها "السهر الكريم حتى تسمع أذان الفجر أنها تكون دائماً "عاجزة عن النوم باكراً، وكأنّ السهر شكل من أشكال الإدمان السنوي الذي يظهر مفعوله في أوّل يوم من رمضان، ويزول مفعوله في اليوم الأخيرة". لهذا، تبرر لنفسها سهرها وإهمالها لبيتها وعزوفها عن الحياة الاجتماعية كرمى لعيون المسلسلات الرمضانية التي لا تترك منها مسلسلاً واحداً يعتب عليها. وفي هذا السياق، تشير هنادي إلى المعارك الزوجية التي يشهدها الشهر الكريم، عازية السبب إلى اختلاف الآراء بينها وبين زوجها حول القنوات التلفزيونية من جهة، وحول السهرات الرمضانية التي أعلنت التقاعد عن حضورها منذ سنوات بعيدة. لماذا؟ "لأن متابعة مسلسل هي أحلى أمر في الحياة" تعلق ضاحكة.
- زوجتي والتلفزيون:
"التقمص" هو الصفة التي يطلقها فؤاد على زوجته في الشهر الكريم، فعلاقتها بالمسلسلات التي تسهر أمامها حتى الفجر، لا تقف عند مجرد المشاهدة، بل تتعداها إلى تقمص الشخصيات الدرامية ولعب أدوارها وربّما نقلها من الشاشة إلى البيت. ويقول: "زوجتي شخصية تميل إلى التراجيدية بشكل كبير، وحين تتابع مسلسلاً كله بكاء على سبيل المثال، أجدها تؤدي دور بطلة المسلسل، فتبدو ضعيفة، حزينة، منكسرة، وكأن التي أمامي هي تلك الممثلة التعيسة وليس زوجتي التي يهز صوتها البيت حين تغضب". عبثاً حاول فؤاد أن يغير من نظرة زوجته إلى شهر رمضان، "فمن شب على شيء شاب عليه" كما يقول، لافتاً إلى أنّه "لهذا، يدخل رمضان من الباب، وتدخل المشاكل من الشباك. لأنها لم تفهم حتى اليوم، وعلى الرغم من مرور 8 سنوات على زواجنا، أن التلفزيون لا يحل محل الواقع، ولا يعوض البيت والأبناء الصغار عن أمهم النائمة نهاراً والمستيقظة حتى طلوع الفجر".
- حتى الخامسة فجراً:
السؤال ببساطة: كم ساعة تقضين أمام التلفزيون؟ الجواب: "بصراحة، 11 ساعة".
هذا كان ردّ منى عبدالسلام (طالبة مدرسة)، فالسهر في الشهر الكريم منحة سنوية، تحصل عليها من والديها مرة واحدة في العام، والنتيجة على قدر المنحة "سهر يبدأ بعد الإفطار، وينتهي عند الخامسة فجراً". "منحة السهر"، كما تسميها منى، "تجلب معها كل عام، أحلى وأمتع المسلسلات"، فالذنب إذن ليس ذنبها، بل "ذنب القنوات الفضائية التي تكرس شاشاتها لجذب المشاهد وإبقائه بالساعات مجمداً ملصقاً في مكانه". لهذا، تعيش منى ساعات الليل مستمتعة بما تفعل، ناسية المكان والزمان وكل الناس الآخرين خارج صندوق الشاشة الصغيرة. وفي ما يتعلق بنوعية المسلسلات التي تشدها وتبقيها مخلصة طوال الشهر، تقول منى: "أتابع المسلسلات الاجتماعية، وأتعلق بها، كأني أستمع إلى حكاية من حكايات جدتي، فالزمن تغير، والوقت الذي كنا نسمع فيه حكايات قبل النوم، لم يعد كما هو، بل استعيض عنه بالمسلسلات الشيقة التي تقدم الحكاية صوتاً وصورة". ومن هنا، تؤكد منى أنها تعيش أحلى أيام حياتها في رمضان عندما يصادف في الصيف كما هي الحال هذا العام. وتشير إلى أن ما يسعدها "هو أنّ الشهر الكريم تزامن مع الإجازة الصيفية، ومن جهة أخرى هناك كم هائل من المسلسلات التي تستحق المتابعة حتى ولو اضطررت إلى أن أستعمل عود كبريت لأسند به جفوني وأبقي عينيّ مفتوحتين كما يفعل في مسلسلات "توم وجيري".
- شريكة الليل وآخره:
"السهر حتى الفجر أمام التلفزيون في الشهر الكريم، يتطلب شريكاً للتداول في تفاصيل المسلسلات، وللتعليق على مجريات الحديث، ولأنّ الشريك في عزّ الليل غير متوافر، لصعوبة ترك البيت حتى ساعة متأخرة من الليل، فما من أحد مثل الأخت في إمكانها أن تكون خير جليس وشريك" هذا ما تقوله منال عبدالسلام، التي تشير إلى أنها تجلس مع أختها منى طوال الوقت، تقلبان في الـ"ريموت كونترول"، بعد أن وضعتا قائمة لتسجيل أوقات العرض، وذلك تفادياً للخلاف، ولسوء الفهم". وتشير إلى أنّه "من الطبيعي أن يختلف اثنان من أفراد العائلة على متابعة مسلسل، أو برنامج، ولكن حين يكون الاهتمام واحداً، والشغف بنوعية المسلسل واحداً أيضاً، فما من مجال لأي خلاف أو اختلاف". وتؤكد أن هذا الأمر هو الذي يبقيها مع أختها منى متجمدتين أمام الشاشة الصغيرة، حتى تسمعا أذان الفجر. منال، التي تتابع القصص الاجتماعية، تؤكد أنها لا تشعر بالوقت، ولا تحس بعقارب الساعة المعلقة على الجدار في غرفة نومها، "فالزمن يمر بشكل صاروخي بدءاً من الساعة الثامنة مساء، وصولاً إلى التاسعة فالعاشرة، حتى يصل الخامسة، من دون توقف". وتكشف أنها، حين يحين وقت السحور، تحضر طعامها وتنهيه وعيناها مسمرتان بشاشة التلفزيون، فالدقيقة لا تفوت، والمشهد الذي يذهب لا يعود. وتقول: "فالثبات ثمّ الثبات ثمّ الثبات هو كل ما أفعله حين أصاب بالنعاس". وتلفت إلى أنّه "كثيراً ما يحاول النوم الانتصار عليّ، ولكن هيهات".
- سهر لابدّ منه:
وإذا كنا قد سلمنا بأنّ السهر أمام التلفزيون حتى الفجر عادة تقوم بها البنات غير المسؤولات عن بيت وأسرة. لكن، حين تدخل خانة السهر والتعلق بالدراما التلفزيونية حياة السيدات والأُمّهات، فمعنى ذلك أنّ السهر يهزم كل من يقرر أن يتابع التلفزيون في رمضان، حيث تنتهي الحكاية عكس التوقعات، وتصبح المعادلة: سهر حتى الفجر ونوم متأخر. هذا تماماً ما يحدث مع نهلا الكيلاني، التي تسهر أمام الشاشة الصغيرة، وتتابع ما يحلو لها من مسلسلات اجتماعية على وجه الخصوص. وعلى الرغم من أنها أم وربة منزل، إلا أن حجتها في الموضوع، هي تفرغها الطويل للبيت والأسرة طيلة فترة النهار وحتى ما بعد الإفطار، الأمر الذي يحجب عنها أي تأنيب ضمير. فـ"مادام البيت بخير والأبناء بخير، ما الضرر في متابعة طويلة للمسلسلات الرمضانية؟"، تعلق ضاحكة. نهلا، التي توزع مشاهداتها بين التاريخي والمعاصر من الدراما، تؤكد أنها لا تستهين بالوقت حين تنفق ساعات طويلة منه أمام الشاشة الصغيرة "فخصوصية الشهر الكريم، تضفي على الليل جمالية خاصة، تجعل منه ليلاً مفتوحاً، لا وقت محدداً فيه لنوم، ولا ساعة ثابتة فيه لقول تصبحون على خير". لهذا، تشير إلى أنّ "الكثير من الطقوس الحياتية اليومية تتغير في اليوم الأوّل من أيام عيد الفطر، ليعود التلفزيون يستقبل زواره مرة أو مرتين كأقصى حد في اليوم الواحد". ولا يغيب عن نهلا أن تذكر المفارقات التي تحدث في متابعة التلفزيون ليلاً مع زوجها، حيث يصعب من وجهة نظرها "أن يتفق رجل وامرأة على مشاهدة عمل تلفزيوني واحد، فكيف الحال، والناس في رمضان، يغرقون بكم الإنتاج الدرامي الهائل، الأمر الذي يعزز ويبرر فكرة الابتعاد المؤقت بين المرأة وزوجها بحضور الشاشة الصغيرة، فكلّ منهما يكون متسمراً أمام تلفزيونه، يتابع عمله المميز، أو المنتقي". لهذا، تقول "ربما يكتفي الزوجان في رمضان بإلقاء التحية إذا التقيا صدفة، بعيداً عن أجهزة التلفزيون الخاصة بهما".
- سهر مشروط:
"ما من مجال لمقاومة السهر أمام المسلسلات الرمضانية". هذا ما تعترف به رمزية القيسية، لكنها تعود لتصفه بأنّه "سهر مشروط" وأوّل تلك الشروط حسب قولها: "ساعات الدوام الوظيفي التي تحد من ساعات السهر، إضافة إلى قدرة المسلسل على الجذب، وجماهيرية الممثلين الذين يقومون ببطولة العمل"، مشيرة إلى أنّ "التلفزيون، في الشهر الكريم، بمثابة مصيدة للكبار قبل الصغار، كما أنه إغراء صعب الإفلات منه، خاصة حين تكون المسلسلات على درجة عالية من الأداء الدرامي والتصوير والإخراج المميز". وتضيف: "لهذا، ما من مجال للتهرب من الشاشة الصغيرة"، لافتة إلى أن "طبيعة المرء تلعب دوراً في إقباله على الأعمال التلفزيونية. فهناك الشخصية العاطفية التي تتوحد مع العمل والنص، وهناك الشخصية الرومانسية التي تسحرها قصص الحب الدرامية، إضافة إلى نوعية خاصة من السيدات، اللواتي يعانين فراغاً عاطفياً، فيجدن في تلك الأعمال ملجأ نفسياً، يهربن من خلاله من الواقع إلى العوالم الافتراضية التي لا يجدونها حقيقة".
أما أكثر المسلسلات جذباً لرمزية، فهي "المسلسلات العائلية التي تطرح موضوعات تهم الأسرة من أصغر فرد فيها الى أكبر فرد". وتعترف رمزية بأنها لا تحصر مشاهدتها بالمسلسلات الرمضانية، إنما تتعداها لمتابعة برامج الـ "توك شو" وغيرها مما قد يجذب اهتمامها.
- نسهر حين نشاء:
"النساء يسهرن في رمضان حتى الفجر"، حقيقة لم تنكرها امرأة، ولم تلف أو تدُر حولها. ولكن، في المقابل، ماذا عن الرجال؟ هل تصيبهم الشاشة الصغيرة في الشهر الكريم بدوار المتابعة كما تفعل مع الجنس اللطيف؟ أم أنهم محصنون ضد السهر أمام الشاشة؟ "نحن كرجال نتابع ونسهر ولكن الأمر الذي يختلف بيننا وبين الجنس اللطيف هو نوعية العمل المتابع". بهذا، يحدد ماجد أحمد موقفه من المسلسلات الرمضانية، فيؤكد متابعتها، ولكنه ينفي قدرتها على جعله أسير البيت كما تفعل بالمرأة من حيث القدرة على الجلوس الطويل لمتابعة مسلسل، إضافة الى عدم قدرته على متابعة عدد من المسلسلات بشكل متواصل، أو حتى على متابعة أكثر من مسلسل في الوقت نفسه". ويضيف :"لهذا يأتي السهر في رمضان خيارياً وليس إجبارياً، لإنه لا يتعلق بالمسلسل وبأحداثه كما يحدث مع المرأة.
- انتقائية:
"ابعد عن المسلسل العاطفي وغني له"، عبارة لم يتلفظ بها أحمد جمال الدين بهذه الطريقة، ولكن لسان حاله قالها، وهو يكشف أنه يرصد المسلسلات المنفرة للرجل والتي من غير الممكن أن تنجح في شده وإجباره على الجلوس والسهر ومن ثم الذهاب إلى الوظيفة في اليوم التالي نعساً وتعباً. ومع ذلك، لاينفي جمال الدين حقيقة أنه يسهر أمام التلفزيون ويتابع أحد المسلسلات في بعض الأحيان، ولكنه يعترف بأنّه "انتقائي" في متابعاته، ويقول إن من الصعب أن ينزلق في مسلسل يعرض بعد منتصف الليل، خاصة إذا كان من النوع العاطفي، فالمسلسل الوحيد الذي يجبره على السهر هو المسلسل الكوميدي. وعما إذا كان يشعر بالندم إذا ما سهر لمتابعة مسلسل لوقت متأخر؟ يجيب: "بصراحة نعم، فإذا فكرنا في صباح اليوم التالي بالساعات التي كان في إمكاننا أن نمضيها مع أصحابنا، أو بالنوم، سنعرف حينها مدى الخسارة التي دفعناها مقابل سهرة لا تقدم ولا تؤخر".
- سهرة جماعية:
للسهر حسب تعبير مبارك المنصوري "طعم خاص في الشهر الكريم"، وعندما سألناه لماذا؟ أجاب: "لأن النوم عادة ينفك سحرها في رمضان، وكأنّ السهر يتحول إلى طقس من العيب ألا نقوم به"، مشيراً إلى أنّ "التلفزيون في الليل هو بمثابة الشريك الثابت في كل سهرة مع الأصدقاء. لهذا، تطول السهرة على شرف المسلسلات، وتطول المناقشات حول مجريات ما يحدث، ناس يؤيدون البطل الفلاني، وناس يؤيدون البطل الآخر، من دون أن ننسى طبعاً وجبة السحور والحلويات والعصائر التي ترافق تلك السهرات الممزوجة بالضحك ووالأحاديث الطريفة". مبارك، الذي لا تنفض سهرته الرمضانية قبل بزوغ الفجر، يؤكد أنّ التلفزيون هو الذي يعينه هو وغيره على السهر، متسائلاً: "ما نفع السهر من دون وسيلة ترفيه؟ وكيف تحلو السهرة، من دون أناس يشاركوننا الساعة ويحلون ضيوفاً على الرحب والسعة في بيوتنا؟". وهنا، يعلن مبارك امتنانه لأبطال الدراما التلفزيونية الذين يضفون على السهر بريقاً ما كان ليكون أو يطول من دونهم".
- شرخ عائلي:
بعد كل ما تقدم، إلى أي حد يا ترى تؤثر متابعة التلفزيون والمسلسلات الدرامية في رمضان في العلاقة الزوجية؟ وهل هناك ما يسمح للرجال بأن يبرروا لزوجاتهم ذلك الشغف التلفزيوني، والسهر الرمضاني أمام الشاشة الصغيرة؟
سؤال تجيب عنه استشارية التربية الأسرية الدكتورة غادة الشيخ، فتقول: "مما لا شك فيه أن احتجاج الكثير من الرجال على عزوف زوجاتهم عن الحياة الاجتماعية الرمضانية ومشاركتهم تلك الحياة بحجة" أني أتابع المسلسل الفلاني "هو أمر واقع وملموس"، مؤكدة أنّه "في ظل هذا الاحتجاج، لابدّ من أن تصدعاً ما يصيب العلاقة الزوجية في الشهر الكريم، خاصة حين تكون الزوجة مدمنة مسلسلات، ومتابعة من الدرجة الأولى". وتقول: "كثيراً ما نسمع عن نساء يتابعن من 5 إلى 7 مسلسلات في اليوم، وربما أكثر، ولو سمعن أذان الفجر، وهذا ما يمنح الرجال الحق في المعارضة والشكوى حول إعلان الزوجة عن أنها خارج الخدمة: خلال الشهر الكريم"، مشيرة إلى أن "هذه الفجوة التي تصنعها المرأة الساهرة طوال الليل لمتابعة مسلسل، ليست بالشيء البسيط الذي يستهان به، خاصة حين نعرف مساحة الفراغ التي تخلفها في بيتها وأسرتها وهي جالسة أمام الشاشة الصغيرة تتابع المسلسلات حتى طلوع الصبح".
ارسال التعليق