• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

السيِّدة زينب (عليها السلام).. مسيرة جهاد وصبر

عمار كاظم

السيِّدة زينب (عليها السلام).. مسيرة جهاد وصبر

نشأت العقيلة زينب (عليها السلام) ضمن عائلة قد نذرت نفسها للجهاد في سبيل الله، وتربّت في أجواء رسالية، ما كان يدور فيها غير الاهتمامات القيمية المبدئية، فجدّها الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) قاد بنفسه حوالى (٢٨ غزوة ومعركة)، وأبوها الإمام عليّ (عليه السلام) رافق الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في جميع تلك المعارك، عدا واحدة، وهي غزوة تبوك، حيث تخلّف بأمر من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .كما قاد الإمام (عليه السلام) بنفسه العديد من السرّايا والمعارك المحدودة.

إنّ ذلك يعني أنّ السيِّدة زينب (عليها السلام) وعائلتها كانوا يعيشون ظروف الجهاد في أغلب فترات حياتهم، فحينما يغادرهم الجدّ أو الأب إلى ساحة المعركة، فستكون نفوسهم منشدّة ومرتبطة بما يدور على ساحات القتال. ولا يقتصر الأمر على تفاعل الأُسرة مع قضايا الحرب والجهاد، بل إنّها كانت معنيّة بكلّ أوضاع المجتمع، فعائلة السيِّدة زينب (عليها السلام) هي في موقع القيادة والقلب. وهكذا عاشت السيِّدة زينب (عليها السلام) فترة طفولتها في بيت تتموّج فيه هموم مجتمعها، وفي أجواء مفعمة بالمسؤولية والتضحية.

«أنتِ بحمد الله عالِمةٌ غيرُ مُعلَّمة، فَهِمةٌ غيرُ مُفهَّمة»، هذا ما قاله الإمام زين العابدين (عليه السلام) لعمّته زينب (عليها السلام). فهي بحقّ تمثّل الأنموذج الخالد والحيّ للمرأة المسلمة، ولكلّ إنسانة ناضلت من أجل حفظ كرامتها وتحقيق رسالتها في الحياة، بما يبرز مدى ارتباطها بالله تعالى في كلّ الظروف والأوضاع، فهي التي صمدت ولم تضعف، بل كانت تستمدّ قوّتها من الله، ومن توكّلها عليه وثقتها به بالتسديد والتوفيق لعباده الصالحين المخلصين، الذين يطبِّقون التوحيد في الحياة مواقف عملية كلّها عزّة وإباء وعنفوان ومواجهة للباطل وأهله.

نتعلّم من سيرتها (عليها السلام) كيف ننهض لننتصر للحقّ ونلتزمه بقوّة، فلا نهادن ولا نصالح على حسابه، ونتعلّم كيف نخلص في مواقفنا وعبادتنا وطاعتنا لله تعالى، فلا نقدّم أيّ حساب على حساب الله تعالى. لقد حملت العقيلة (عليها السلام) أمانة الرسالة وحفظتها بكلّ ما أُوتيت من قوّة، فكانت أمة الله الطائعة المخلصة بحقّ، لم تركن إلى دنيا، ولم تستسلم لضغوطات هنا أو تحدّيات هناك.

لم تكن حياة السيِّدة زينب (عليها السلام) معبَّدةً بالورود والأفراح، وهي التي واجهت الكثير من المصائب منذ طفولتها الأولى، بدءاً من وفاة جدّها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ووالدتها الزهراء (عليها السلام)، وهي لا تزال طفلةً صغيرةً في الخامسة من عمرها، وصولاً إلى فاجعة كربلاء، بكلّ ما اختزنته من مصائب وأحزان، وما بينهما وبعدهما، كان هناك الكثير الكثير.

وعلى الرغم من ذلك، لم نجد السيِّدة زينب (عليها السلام) في أيّ موقف من مواقفها التي ينقلها التاريخ، إلّا مؤمنةً صابرةً محتسبة، قويّةً مواجهةً وغير مستكينة، وهي التي كانت السند والداعم في كلّ مسيرة حياتها لأبيها وإخوتها، وأكثر ما تجلّى دورها الكبير، في واقعة كربلاء وما بعدها، حيث تحمّلت مسؤولية إتمام المسيرة التي بدأها أخوها الحسين (عليه السلام) على أكمل وجه، وكانت السبب في إيصال صوت الثورة إلى كلّ الأجيال.

لم تستسلم السيِّدة زينب (عليها السلام) يوماً لحزنها، والحزن حقٌّ للإنسان، ولم تسمح له بأن يشلَّ حركتها أو أن يقعدها عن مسؤوليتها في الحياة، وكيف يكون ذلك، وهي ابنة الخطّ الرسالي الذي حمل راية الدِّين، وارتضى بكلّ التضحيات في سبيله.. هي ابنة الإمام عليّ (عليه السلام) الذي كان الإسلام همّه الأوحد، ولو على حساب نفسه، وابنة الزهراء (عليها السلام) العابدة الزاهدة المدافعة عن الحقّ، وهي التي كانت تعي أنّ طريق الإيمان والاستقامة والإخلاص لخطّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) هو طريق ذات الشوكة، وليس طريقاً سهلاً ولا مفروشاً بالرياحين.

إنّ ما واجهته السيِّدة زينب (عليها السلام) قد يفوق قدرة الإنسان على الاحتمال، ومع ذلك، احتملته وأكملت الطريق، والسرّ الوحيد في ذلك، هو ذلك الإيمان الصلب الذي لا تزلزله كلّ مصائب الدُّنيا وبلاءاتها، ولا يقدر عليه كلّ الطواغيت، لأنّه يستند إلى الله، والله هو الحقّ، وهو الأكبر والأقوى.. ولعلّ عبارتها أمام ابن زياد عندما سألها: كيف رأيت صنع الله بأخيك وأهل بيتك؟، فقالت: «لم أرَ إلّا جميلاً»، يختصر الحكاية كلّها.. هذا كان سرّ زينب (عليها السلام)، وسرّ عنفوانها وكبريائها وقوّتها وحكمتها وتماسكها، وبذلك واجهت كلّ المصائب والآلام، لأنّ مَن يدرك حقيقة وجوده في هذه الدُّنيا، ويعي طبيعة مسؤوليته فيها، ويتّكل في كلِّ أُموره على ربِّه، لن يخذله إيمانه يوماً، ولن تضعف عزيمته أبداً.

ارسال التعليق

Top