• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الشباب والبطالة

عبدالملك خلف التميمي

الشباب والبطالة

◄تعتبر المرحلة العمرية للفتى أو الفتاة ما بين الرابعة عشرة والخامسة والعشرين هي مرحلة الشباب، حيث تبدأ في البلوغ والمراهقة وتنتهي بالانتهاء من الدراسة الجامعية وبدء الحياة العملية. وفي دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية يعتبر الطلبة أكثر من ثلث المجتمع. وأنّ معظم الطلبة في سن الشباب يضاف إليهم عدد كبير ممّن هم في سن الشباب الذين يعملون في مجالات مختلفة وكذلك العاطلون عن العمل وبهذا يشكّل الشباب عدداً كبيراً ومهمّاً في المجتمع إذا أخذنا في الاعتبار أنّ هذه المرحلة العمرية هي مرحلة النشاط والديناميكية لدى الإنسان. ويعتبر الشباب – ويشمل ذلك الفتيات والفتيان – ذخيرة المجتمع لبناء مستقبله. وبناء على ذلك يعتبر الاهتمام بالشباب تربوياً وعلمياً وثقافياً قضية أساسية لبناء مستقبل الأوطان، وذلك يعني الاهتمام بالتعليم وخاصّة التعليم العامّ وفي مراحل التأسيس، ثمّ تنمية الموارد البشرية الشبابية وإعدادها علمياً ومهنياً بما يتفق وإستراتيجية التنمية الشاملة في المجتمع.

وتتصل بقضية الشباب مسألة البطالة التي تعني مَن ليس لديه عمل يعيش عليه. والبطالة أنواع: البطالة السافرة وهي قسرية حيث هناك أُناس قادرون على العمل ولديهم المؤهّلات ولكنّهم لا يحصلون عليه. وهناك البطالة المقنعة أُولئك الذين يعملون ولا ينتجون، وفريق ثالث من العاطلين تُسمّى (البطالة الاختيارية) وهؤلاء قادرون على العمل وفي إمكانهم الحصول عليه ولكنّهم لا يرغبون في العمل، لتوفّر الإمكانات المادّية لديهم، وتشمل البطالة فئات وأفراداً من مختلف الشرائح الاجتماعية إلّا أنّها أكبر وأكثر تأثيراً وسط قطاع الشباب، وخاصّة إذا علمنا بأنّ الشباب في العموم هم أغلبية أفراد المجتمع في مجتمعاتنا المعاصرة.

حجم المشكلة

إنّ معظم الطلبة من الشباب، ومعظم الموظفين من الشباب، ومعظم الإنتاج في مجالات العمل من الشباب، كما أنّ معظم المشكلات في المجتمع هي مشكلات الشباب. ففي منطقة الخليج العربي حيث تتولى الدولة الريعية الإنفاق على كلّ شيء، ويجد الشباب في معظم الأحيان الأُمور ميسرة لهم في العيش والدراسة وغيرهما حتى افتقد عدد كبير منهم الدافع للتعلُّم والعمل، وظهرت لدينا مشكلة اسمها البطالة في مجتمعات لا يجب أن توجد فيها بطالة مواطنة، ويمكن معرفة حجم الظاهرة من المؤشرات التالية:

1- إنّ أعداداً كبيرة من الطلبة يتسربون من التعليم العامّ بعد المرحلة المتوسطة أو المرحلة الثانوية من دون استكمال تعليمهم أو حتى للحصول على الشهادة الثانوية التي تشكّل اليوم الحدّ الأدنى للعمل.

2- إنّ أعداداً كبيرة من الخريجين من الثانوية العامّة والجامعة لا يجدون العمل المناسب نتيجة تضخم الأعداد الطالبة للعمل، وأنّ مجالات العمل محدودة أساساً بمؤسّسات الدولة ووزاراتها وعدد قليل يتّجه للقطاع الخاصّ أو يقبل بتوظيفه القطاع الخاصّ هذا وسط المواطنين المحظوظين الذين لديهم (واسطة) للحصول على عمل مناسب.

3- نجد الآلاف من الشباب يتجهون إلى التعليم التطبيقي والتدريب في منطقتنا، وهذه ظاهرة صحّية، لكنّ البحث في أسباب توجه الشباب إلى هذا المجال هو تركهم الدراسة وبطالتهم، وضغط الأهل جعلهم يتجهون إلى هذا النوع من التأهيل السريع، وأغلبهم في النهاية لا يعملون في مجالات تخصصاتهم الفنّية.

4- القيام بزيارة إلى نيابة الأحداث في دول مجلس التعاون حتى نرى الأعداد الكبيرة من الشباب الذين ارتكبوا جرائم مختلفة مثل السرقة والاعتداء والمخدرات وغيرها.

5- وإذا أضفنا إلى هؤلاء جميعاً الشباب الوافد العاطل عن العمل والذين لديهم ظروف وأسباب أُخرى بعضها يعود إلى بلد المنشأ الذي قدموا منه، وبعضها يعود إلى الدولة التي وفد إليها وظروف المعيشة فيها.

مشكلات الشباب في دول مجلس التعاون

في مقالة قصيرة كهذه من الصعب تحديد كلّ المشكلات التي يعاني منها الشباب ومعرفة دوافعها وذكر الإحصائيات بشأنها، لكن من الممكن والمناسب ذكر الأسباب بصورة عامّة ومنها.

1- إنّ التطوّر الاقتصادي وتوظيف عائدات النفط في دول المنطقة وفراً إنفاقاً حكومياً كبيراً في مختلف المجالات وبمرور الوقت أوجدا مواطناً اتكالياً وفي الغالب مستهلكاً لا منتجاً.

2- ضعف الانتماء الأُسري: لقد كانت العائلة في الماضي كبيرة ومتماسكة والنظام الأبوي التقليدي كان قوياً، ونتيجة لتوفّر الإمكانيات المادّية والتطوّر فقد تفككت الأُسرة الممتدّة وأصبحت أُسراً صغيرة توفّرت لها الإمكانات، وشعر كلّ فرد فيها أو معظم أفرادها بالاستقلال المادّي، كما شعر الأبناء بالأمن المادّي العائلي ممّا ساعد على الاتكالية وعدم الدافعية للتعلُّم والعمل لدى الشباب.

3- إلى جانب ضعف التربية الأُسرية هناك ضعف التربية المدرسية، فقد تخلت المدرسة عن غرس القيم الجيِّدة وتعلُّم المهارات، واتجهت إلى حشو عقول الطلبة بالمعارف والمعلومات فقط لتؤهّلهم للنجاح والحصول على الشهادة من مرحلة لأُخرى.

4- التفكك الأُسري بالطلاق أو زواج الأب من امرأة أُخرى أو انشغال الأب والأُمّ بأُمور أُخرى لها الأولوية على التربية العائلية، وغياب الرقابة العائلية للشباب خاصّة في سن المراهقة.

5- توفر الإمكانات المادّية للشباب من الأهل من دون مقابل ممّا يسهل على بعضهم الانحراف بتعاطي المخدرات أو غيرها.

6- لقد فهم بعض الآباء والأُمهات التربية الحديثة خطأ من خلال ترك الأبناء يعتمدون على أنفُسهم في كلّ شيء، ووجدوا في ذلك راحة لهم من مسؤولية التربية الصعبة في عصرنا، لكنّهم والأبناء معاً يدفعون الثمن في الحاضر والمستقبل.

الطلبة أهمّ فئة شبابية

إنّ الحديث عن الشباب والبطالة لا يمكن أن يتجاهل أهمّ فئة شبابية هي الطلبة، فهم في مرحلة الدراسة قوّة مجتمعية واعدة ومؤثّرة اجتماعياً وسياسياً، وهم بدخولهم مجال العمل قوّة أساسية يتوقّف على عملها نجاح أو فشل خطط وبرامج التنمية في المجتمع.

ويعدّ التعليم عامل تغير وتطوّر المجتمعات، والطلبة هم العمود الفقري في التعليم، ويمكن أن يكون حاضنة للتغيير والتطوّر، ويمكن أيضاً أن يكون في المقابل حاضنة للتخلّف والصراع السياسي وغير السياسي، ولذلك فإنّ الاهتمام بالتعليم يعني الاهتمام بالطلبة ومن ثمّ بالشباب الذين يشكّلون العمود الفقري لمجتمعاتنا النامية. وتشهد مدارسنا وجامعاتنا دخول أعداد كبيرة من الطلبة تقدر بمئات الآلاف ومخرجاتها بعشرات الآلاف، وليست لدى دولنا القدرة التوظيفية لكلّ مخرجات التعليم، وبعضها ليس في مجالات إنتاجية وتخصصات مهمّة، فالقطاع الخاصّ لا يقبل معظمهم والحكومة ملزمة بتوظيف المواطنين قانونياً أو اجتماعياً أو حتى سياسياً، وبالتالي ستكون النتيجة تضخماً وظيفياً في مؤسّسات الدولة يعقبه عجز عن استيعاب الجدد من مخرجات التعليم، ومن ثمّ تضاف إلى البطالة الطبيعية بطالة المتعلمين، ونقع في التناقض الذي لا نجد له تفسيراً أو تبريراً.

مخاطر البطالة وسط الشباب

يمكن تحديد عدد من العناصر التي تشكّل في مجملها مخاطر البطالة وسط الشباب في منطقة الخليج العربي:

1- إنّ عدم وجود عمل ومن ثمّ مورد للشباب إلى جانب الفراغ وضعف التربية وهشاشة القيم التي يحملها بعضهم حتماً ستقود الشاب إلى الانحراف بارتكاب جرائم متنوعة مثل السرقة وتعاطي المخدرات وغيرها.

2- إنّ ضعف تلك القيم والخواء الثقافي يجعل عدداً من الشباب عرضة للاستغلال من قبل قوى التطرّف والعنف، فتعبأ رؤوسهم الفارغة ثقافياً بثقافة التطرّف والغلو، فيخسر الشاب في النهاية نفسه ويخسره المجتمع.

3- الطاقة الشبابية ثروة كبيرة ومادّة خام يمكن استثمارها بإيجاد مجتمع منتج، لكن غول البطالة قد يعرّض المجتمع لخسارتها.

4- بعض المجتمعات لديها خدمة عسكرية إلزامية وبذلك تستفيد من الطاقة الشبابية، بيد أنّ دولنا الخليجية ليس فيها هذا النوع من الخدمة العسكرية الإلزامية، ولذلك ليس هناك مجال كهذا لاستثمار هذه الطاقات أو عدد منها ما عدا الكلّيات العسكرية والشرطية التي تخرج ضباطاً.

5- ماذا نتوقع عندما يكون لدينا عدد كبير من شبابنا عاطلين عن العمل وبالتالي سيكونون بلا شكّ عبئاً على الأهل وقوّة استهلاكية لا إنتاجية، كما سيترك الفراغ آثاراً نفسية واجتماعية على عدد كبير من العاطلين ممّا يجعلهم مرتعاً لأمراض نفسية تعج بهم عيادات ومستشفيات الأمراض النفسية.

ولذلك فإنّ على دولنا أن تضع قضية بطالة الشباب ضمن أولوياتها بحيث يتم إصلاح التعليم إصلاحاً جذرياً وتأهيل الشباب بتنمية الموارد البشرية علمياً ومهنياً وثقافياً، وإعادة تأهيل العاطلين وتوجيههم إلى مجالات عمل إنتاجية حتى لو كان ذلك بقوّة القانون، والتخفيف من إغداق الأموال من دون مقابل لمجرد إرضاء الناس وكسب ودهم أو لدوافع وحسابات اجتماعية أو سياسية.►

ارسال التعليق

Top