الشباب هذه القوّة الناعمة التي تحمل القوّة العضلية والذهنية الوقادة، والطموح الكبير والواسع، والهمّة العالية للبناء والتطوّر. يفترض أن يكونوا العامل الأساس في بناء بلدهم وأُمّتهم. عن الإمام الصادق (عليه السلام): «لستُ أحبّ أن أرى الشاب منكم إلّا غادياً في حالين، إمّا عالِماً أو متعلِّماً، فإن لم يفعل فرَّط وضيَّع، فإن ضيَّع أثم، وإن أثم سكن النار والذي بعث محمّداً بالحقّ». ويذكر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الشباب بقول: «لا يزول قدما عبد يوم القيامة من بين يدي الله حتى يسأله عن أربع خصال: عمرك فيما أفنيته، وجسدك فيما أبليته، ومالك من أين اكتسبته وأين وضعته، وحبّنا أهل البيت».
بما أنّ الشاب كالأرض الخالية كما وُجِد في بعض الروايات، فإنّه يستقبل جميع الأشياء برحابة صدر، لذا يجب أن نهتم بهذه المرحلة أشدّ الاهتمام كي لا يسبقنا أحد في تزويده بالأفكار وزرع بذور القيم الخاطئة في أرض شبابنا، لأنّ الإنسان في هذه المرحلة يبحث عن القدوة المثالية حيث هذه الرغبة تنتقل من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الشباب، ويريد أن يقلّد الآخرين في طريقة اللباس والسلوك والكلام والأفكار، لذلك وجود القدوة الصالحة من أهمّ الأُمور في حياة هذا الشاب كي يعرف كيف يسلك الطريق الصحيح، ويقتدي بمن ليس في قاموس حياتهم سوى الخير والبركة لأنّه يستلهم الصفات والخصال من شخصية المقتدى به، إنّ الشباب أمانة في عاتق كلّ فرد يستطيع أن يقدّم لهم الأفكار والخدمات المختلفة التي تصقل شخصياتهم نحو الأفضل، وتأخذ بهم نحو واقع أجمل وتصقل قدراتهم لينهضوا بالمجتمع.
من المفروض على كلّ شخص أن يعرف ضرورة ترشيد علاقة الشباب بالقدوة الصالحة ويعمل على الاقتداء بالقدوة الصالحة، ليس فقط كوجود خارجي بأن يعرف الشاب أنّ هناك نماذج صالحة، بل يتعرّف على جميع الأفعال والسلوك وكيف تعامل هؤلاء الصالحين مع الأُمور، كي ينطلق الشاب إلى مراحل متقدّمة ويكون ارتباطه بالقدوة الصالحة على أتم وجه وأعمق أسلوب، كي يكون فاعلاً في تغيير حياة الشاب ومعه حياة الآخرين نحو الأفضل. قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا) (الأحزاب/ 21).
والأسوة نظرية وعملية، فالنظرية هي المبادئ والقوانين والسنّن التي يتعلّمها الإنسان ويتبنّاها كمعتقدات وقناعات وهذا مهمّ، والأهمّ هو أن يكون هنالك شخص تتجسَّد فيه تلك المبادئ والقيم وتتحرّك معه في كلّ مواقفه، وهذا هو الأسوة العملية التي يراها الناس أمامهم تُجسّد النظرية عملاً وسلوكاً، وهي أبلغ وأدعى للتأسّي والاقتداء. فالأسوة العملية الحسنة هي الحقّ متحرّكاً ومتمثّلاً في شخصية متكاملة، متحرّكة أمامك (لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) فالنبيّ أسوة عملية حسنة بتزكيةٍ وشهادة ربّانية. وقد ورد في وصفه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه: «كان خُلُقه القرآن»، أي أنّه جسّد القرآن الكريم عملياً في عمله وسلوكه حتى أنّك إذا أردت أن ترى القرآن الكريم في قيمه ومفاهيمه وأخلاقه متجسّداً ومتحرّكاً أمامك تنظر إليه بعينيك فانظر إلى شخص النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في سلوكه وكلّ حركاته وسكناته، فرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أسوة عملية حسنة في كلّ لفظ أو فعل أو موقف.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق