• ١٦ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٧ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الشخصية الثقافية والمعرفية للجيل الشاب

عمار كاظم

الشخصية الثقافية والمعرفية للجيل الشاب

ما يميّزالإنسان أنّه كائن عاقل مفكّر يُنمّي فكره ومعارفه عن طريق التفكير والتجارب والتعلُّم من الآخرين، وإنّ من الغرائز الأساسية التي يشترك فيها الإنسان والحيوان هي غريزة التجمّع، أو غريزة القطيع.. ومن الواضح أنّ الطفل ينشأ في بيئة محدّدة الثقافة، والحضارة، والانتماء الفكري والثقافي، فتساهم تلك البيئة النفسية والثقافية في تكوين شخصيته، ونمط حياته، فمنها يكتسب، وبها يتأثر. والقرآن الكريم يرفض طريقة التبعية غير الواعية، ويهاجمها بشدّة، ويطالب بالوعي والتأمّل، وتوظيف العقل في محاكمات القضايا وتمحيصها، واختيار الطريق الأسلم، وتحديد الانتماء الفكري على وعي وبصيرة. قال تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (يوسف/ 108 ). ولقد استنكر القرآن طريقة الانتماء البيئي غير الواعي أو تقليد الآباء والأجداد من غير فهم ولا تمحيص ولا تمييز بين الخطأ والصواب في العديد من آياته، منها قوله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ) (المائدة/ 104 ).

وحذّر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من تبعية الإمَّعة الذي لا يحدّد موقفه وانتماءه عن فهم ووعي وقناعة علمية سليمة؛ بل يعيش مقلداً تابعاً للآخرين، أو لظروف البيئة التي وُلِد فيها. فلا يكلّف نفسه بمناقشة أو تمحيص ما وجد نفسه جزراً منه؛ من فكر وعقيدة وسلوك وأعراف، ليتمسّك بالصواب، ويرفض ما أخطأ السابقون بحمله؛ لتتم الغربلة والتنقيح عبر مسيرة الأجيال، وليتم التخلّص من تراكمات الرواسب والأخطاء والممارسات غير السوية. إنّا نجد تحذير الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) دقيقاً من خلال قوله: «لا تكونوا إمَّعة تقولون إن أحسن الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطّنوا أنفُسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساؤوا فلا تظلموا». إنّ من القضايا المتأصّلة في أعماق الإنسان هي طبيعته الاجتماعية وانتماؤه الشعوري واللاشعوري إلى الجماعة، كالانتماء إلى عنوان الأُسرة والعشيرة، وإلى المدينة والإقليم والقومية والوطنية... إلخ.

والمصادر الأساسية للثقافة الإنسانية هي الرسالة الإلهيّة، والفلاسفة والكتّاب والمفكّرون والأُدباء والمؤسّسات الثقافية والإعلامية. وفي المجتمع الواحد تتصارع عدّة أفكار ونظريات وثقافات، يصل التناقض بينها أحياناً إلى حدّ الإلغاء. وكثيراً ما تجري التحوّلات الفكرية والثقافية في المجتمع بشكل حادٍّ ومتسارع، في حياة جيل أو جيلين، وفي كلّ الأحوال يكون جيل الشباب، هو الجيل الذي يعيش في دائرة الصراع، ويواجه الأزمات الفكرية، ويشهد التحوّلات الثقافية والحضارية.

ولابدّ للشباب من أن تكون لديه شخصية ثقافية وهويّة حضارية واضحة المعالم. وهويّة الشاب المُسلِم الثقافية هي الهويّة الإسلامية، ولا يعني ذلك أنّ كلّ حصيلته الثقافية هي مجموعة من المعلومات الدينية التي تتعلّق بالعقيدة أو السيرة أو الأحكام الفقهية، وإن كان الاهتمام بتلك المعارف مسألة أساسية في ثقافة الشاب المُسلِم. إنّما نعني بالثقافة الإسلامية، هي وعي الحياة والمعرفة والسلوك والكون والطبيعية من خلال المنهج الإسلامي.

ارسال التعليق

Top