• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الشكر والحمد لرب العالمين

عمار كاظم

الشكر والحمد لرب العالمين

الشكر هو الاعتراف بالجميل، والثناء على المنعم لحسن صنيعه وجميل معروفه، وهو مقابل المعروف بمثله، قال تعالى: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ) (البقرة/ 152). (ومَن يُرِد ثَوابَ الاخِرَةِ نُؤتِهِ منها وسَنَجزي الشّاكِرين) (آل عمران/ 145). قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك». «أفضل الذكر لا إله إلّا الله ، وأفضل الدعاء الحمد لله».

 وجاء عن الإمام الصادق (عليه السلام): «شكر النعمة اجتناب المحارم، وتمام الشكر قول الرجل الحمد لله ربّ العالمين». و»شكر كلّ نعمة وإن عظمت أن يُحمد الله عزّوجلّ». وجاء رجل إلى الإمام الصادق (عليه السلام)، فقال له: «جعلت فداك، علّمني دعاء جامعاً فقال: احمد الله فإنّه لا يبقى أحد يصلي إلّا دعا لك بقوله - سمع الله لمن حمده -». وجاء عنه (عليه السلام): «مَن قال أربع مرات إذا أصبح: الحمد لله ربّ العالمين، فقد أدّى شكر يومه، ومَن قالها إذا أمسى، فقد أدّى شكر ليلته». «حقّ الله في العسر: الرضى والصبر، وحقّه في اليسر: الحمد والشكر».

وجاء في الدعاء المأثور:

 «إلهي أذهلني عن إقامة شكرك تتابع طولك، وأعجزني عن إحصاء ثنائك فيض فضلك، وشغلني عن ذكر محامدك ترادف عوائدك وأعياني عن نشر عوارفك توالي أياديك». «إلهي تصاغر عند تعاظم آلائك شكري، وتضاءل في جنب إكرامك، إياي ثنائي ونشري، جللتني نعمك من أنوار الإيمان حللاً، وضربت عليَّ لطائف برِّك من العز كللاً، وقلّدتني منك قلائد لا تحل، وطوقتني أطواقاً لا تفل، وآلاؤك جمة، ضعف لساني عن إحصائها، ونعماؤك كثيرة قصر فهمي عن إدراكها، فضلاً عن استقصائها، فكيف لي بتحصيل الشكر، وشكري إياك يفتقر إلى شكر، فكلّما قلت لك الحمد وجب عليّ أن أقول لك الحمد».

 وجاء عن الإمام علي بن الحسين (عليه السلام): «سبحان مَن جعل الاعتراف بالنعمة له حمداً، سبحان مَن جعل الاعتراف بالعجز عن الشكر شكراً».

 فالشكر إذن تعبير عن إحساس نفسي، وقناعة فكرية، يقصد بها مقابلة الإحسان والجميل المُسدى إلى الشاكر من قبل المحسن وصانع الجميل، بما يماثله من إحسان ومعروف، فهو اعتراف من الشاكر بأنّه مدين للمنعم والمحسن، وأنّه لابدّ وأن يعبّر عن هذا الاحساس بالإحسان والجميل، فيعلن عن الامتنان بما يرضي صانع الجميل والمتفضل بالعطاء، ينشأ هذا الشعور في نفس الشاكر كإحساس أخلاقي ووجداني يلح عليه ويدعوه إلى مقابلة الإحسان بالثناء والاعتراف، لأنّ النفس البشرية تخضع في سلوكها إلى موازنة كونية منطقية تقضي بأنّه ما من شيء يحدث في طرف في هذا الوجود إلّا ويعادله شيء، أو يترتب عليه شيء آخر.

 جاءت الآيات والأحاديث تشرع ذلك وتحثّ عليه وتؤكّده: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الحمد/ 2)، (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ) (البقرة/ 152). «شكر كلّ نعمة وإن عظمت أن يحمد الله عزّوجلّ»، «حقّ الله في العسر: الرضى والصبر، وحقّه في اليسر: الحمد والشكر». فالشكر مظهر من أجلّ مظاهر الذكر وعدم النسيان، لأنّ الشاكر لا يكون شاكراً إلّا حين تتشخص أمامه أسباب الشكر ودواعي الامتنان، فهو ذاكر يلهج بنعم الله، ويسبّح بحمد المنعم ومعروفه: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) (الضحى/ 11).

 وليس القلب أو اللسان وحدهما بقادرين على الشكر، بل وللشكر مرتبة أخرى هي أرقى من مرتبة الإحساس والتعبير بالكلمة والذكر باللسان، وهي مرتبة الفعل وتجسيد الشكر عملاً وواقعاً، يشهد بصدق الذكر وعدم نسيان المعروف، عن طريق استعمال النعم التي أنعم الله بها على الإنسان في الطاعة وفعل الخير والمعروف، وإسداء الجميل للآخرين، وتجنّب المعاصي والشرور، قال تعالى: (اعمَلوا آل دَاوُدَ شُكراً وقَلِيلٌ مِن عِباديَ الشَّكورُ) (سبأ/ 13).

 فالشاكر الذاكر لا يستعمل نِعم الله التي أنعم بها عليه من مال وعلم وقوّة وجاه وخيرات، إلّا بما يوافق إرادة الربّ المنعم، وصانع الجميل المتفضّل، بشكل يظهر معروفه وإحسانه، ليكون الإنسان بذلك قد أدّى شكر المنعم، وملا جانب الطرف الإنساني بالعرفان والامتنان، كما أرشدته قواعد التشريع، وقيم الأخلاق، قال أبو عبدالله (عليه السلام): «شكر كلّ نعمة اجتناب المحارم». لذا كان الذاكر حقّاً هو الشاكر لنعمه، المعترف بإحسانه وجميله، المعبّر عن هذا الإحسان والجميل بكلّ وسائل التعبير البشرية الممكنة، من إحساس وقول وعمل، مع إيمان الشاكر بأنّ الإنسان لا يستطيع أن يؤدّي حقّ الشكر، لأنّه يقف دوماً في موقع الافتقار وتلقي الفيض والعطاء: (يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) (الفتح/ 10)، فهو حتى عندما يشكر الله سبحانه، ويريد مقابلة نِعمه يجد نفسه مطوّقاً بفضل جديد، وهو ثواب الشكر، وجزاء الذكر: (وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) (آل عمران/ 144). وهكذا يبدأ إحساس جديد في نفس الشاكر الذاكر، فكلّما أصاب نِعمة، وأدّى شكرها، أُعطي نِعمة الثواب والرضى، وبذلك تبقى موازنة الأداء قاصرة في جانبها الإنساني، ويبقى الربّ المنعم هو المتفضّل الشكور.

ارسال التعليق

Top