• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الصداقة وتنمية الأخلاق الفاضلة

هادي المدرسي

الصداقة وتنمية الأخلاق الفاضلة

◄إنّ ما نؤمن به من قيم العدل، والإنصاف، والتعاون، والتواضع، والإخلاص، علينا أن نترجمه إلى واقع عملي من خلال علاقتنا بالناس، ولا يتحقق ذلك إلّا إذا كان لنا أكبر عدد ممكن من الأصدقاء.

من هنا فإن الحديث عن الأخلاق لا ينفصل عن الحديث عن الصداقة والأصدقاء، والعكس صحيح أيضاً.

ولطالما شكّلت "أخلاق الصداقة"، جوهر التعامل بين الناس، والأرضية التي بنيت عليها حياتهم، ولولاها لم يكن ممكناً، على الإطلاق، أن تدوم مدنيّة، أو تقوم حضارة.

وصدق الشاعر الذي قال:

وإنّما الأُممُ الأخلاقُ ما بقيت***** فإن هُمُ ذهبَت أخلاقُهم ذهبوا

إن "المذياع" الصغير الذي تشتريه من أصغر متجر في العالم، وراء اختراعه وصناعته "أرضية أخلاقية"؛ وهي نفسها التي كانت وراء الحضارة القائمة كلّها. فلولا مبدأ التعاون والمشاركة الذي جعل ألوف الأيادي تتعاون فيما بينها لصناعته، لما كان بمقدورك أن تحصل عليه بهذه السهولة.

ونحن اليوم نحصل على ما أنتجه الإنسان من المخترعات، والصناعات المختلفة التي جاءت كثمرةٍ لمبدأ التعاون والمشاركة لدى القائمين عليها.

هذا المبدأ الذي حوّل جهود الأفراد إلى أنشطة جماعية، أوجد مبدأ التكافل الاجتماعي، وتساوي الفرص، واحترام الشخصية الإنسانية، وحقوق الملكية.

وحينما تنهار الأسس الأخلاقية في التعامل بين الأفراد في مجتمع ما، فإنه سيسير عاجلاً أو آجلاً، نحو الهاوية، وسيعاني من أزمات ليست لها نهاية، لأن سوء الأخلاق علة أساسية لسوء التصرف.

يقول رسول الله (ص): "أبى الله لصاحب البدعة بالتوبة، وأبى الله لصاحب الخلق السيّئ بالتوبة".

فقيل: يا رسول الله، وكيف ذلك؟

قال: أمّا صاحب البدعة فقد أشرب قلبه حُباً، وأمّا صاحب الخلق السيّئ فإنه إن تاب من ذنب وقع في ذنب أعظم من الذنب الذي تاب منه.

وكما يصدق ذلك بحقّ الأفراد، يصدق أيضاً على الجماعات. فالمجتمع السيّئ الأخلاق، هو مجتمع محكوم بالفشل. أمّا المجتمع الملتزم بالأخلاق الحسنة، في شؤونه الاجتماعية والسياسية، فهو مجتمع سليم.

يقول رسول الله (ص): "أكثر ما تلج به أمتي الجنة: تقوى الله، وحُسنُ الخُلق".

ويقول الإمام أبو عبد الله الصادق (ع): "البرّ وحُسنُ الخُلق يعمّران الديار ويزيدان في الأعمار".

فما هو الفارق الأساسي الذي يميّز البشر عن قاطني الغابات؟ أليس الأخلاق؟!

ألا يعيش قاطنو الغابات على الأنانية، وحُبّ الذات، والمصلحة الشخصية، بينما البشر يعيشون على أساس التعاون، والثقة، والتفاني، والعطاء؟

لقد جاء الأنبياء (ص) بشرائع تهدف إلى تهذيب أخلاق الناس، وهذا ما يميّزها عن الشرائع التي يهمها بناء المدن، لا بناء الأفراد، واختراع الوسائل، لا تهذيب النفوس.

وإذا كان هناك اختلاف ما بين شرائع الأنبياء، فلأن كلّ نبيّ كان يُبعث لعلاج حالة أخلاقية معينة، فالنبي "لوط" (ع) مثلاً بُعث إلى قوم عَصف بهم الشذوذ الجنسي. والنبي "موسى" (ع) بُعث إلى قوم اعتادوا الخضوع للظالمين. والنبي "عيسى" (ع) بُعث إلى قوم ارتضوا عبادة المادة، وحُبّ الشهوات.

أمّا رسول الله (ص) فقد جاء لتكميل كلّ الأخلاقيات التي جاء بها الأنبياء جميعاً، كما يقول (ص): "إنما بُعثت لأتمِّم مكارم الأخلاق".

فالأخلاق الفاضلة هي أرضية كلّ خير، ولذلك فقد قال رسول الله (ص): "حُسنُ الخُلق خلق الله الأعظم".

وقال أميرالمؤمنين (ع): (حُسنُ الأخلاقِ بُرهانُ كَرَمِ الأعراقِ).

ومن هنا كان "الإصلاح الأخلاقي" هدفاً أساسياً من أهداف العبادات. فالصلاة فريضة تنهى عن الفحشاء والمنكر، بينما فُرض الصوم، من أجل مخافة الله تعالى في أمور الحياة.

لقد قيل لرسول الله (ص) إنّ فلانة تصوم النهار وتقوم الليل، وهي سيئة الخُلق تؤذّي جيرانها بلسانها. فقال: لا خير فيها، هي من أهل النار.

فالصلاة التي لا تُصلح علاقة الإنسان بجيرانه، هي صلاة فارغة من روحها. وكذلك الصوم الذي لا يؤدّي إلى إصلاح ذات البين فهو مجرد لا أكثر. والحج الذي لا يؤدّي إلى التعامل الأخوي مع الناس لَهُوَ تعب بلا فائدة.

يقول الإمام علي (ع): (كم من صائم، ليس له من صومه إلا الظمأ، وكم من قائم ليس له من قيامه إلّا السِهِرُ والعناءُ".

ويقول (ع): (حُسنُ الأخلاق يُدرُّ الأرزاقَ ويُونِسُ الرِّفاقَ).

كما يقول (ع) أيضاً: (حُسنُ الخُلِقِ أَحدُ العَطاءين).►

 

المصدر: كتاب كيف تكوِّن صداقات ناجحة

ارسال التعليق

Top