هذا شهر الجود والصدقة، يجود الله تعالى فيه على عباده بالغفران، ويجود العباد بما في أيديهم ابتغاء المغفرة والرحمة، وكان النبي (ص) أجود الناس وكان له في رمضان زيادة من الجود والعطاء والكرم، فعن ابن عباس (رض) أنّه قال: "كان النبي (ص) أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن ما يُسأل عن شيء إلا أعطاه". ويفسر ابن رجب العلاقة بين القرآن والجود فيقول: "كان يلتقي هو وجبريل – وهو أفضل الملائكة وأكرمهم – وبدراسة الكتاب الذي جاء به إليه وهو أشرف الكتب وأفضلها، وهو يحث على الإحسان ومكارم الأخلاق، وقد كان رسول الله (ص) هذا الكتاب له خُلُقاً؛ بحيث يرضى لرضاه، ويسخط لسخطه، ويسارع إلى ما حثّ عليه ويمتنع مما زجر عنه، فلهذا كان يتضاعف جوده وأفضاله في هذا الشهر لقرب عهده بمخالطة جبريل وكثرة مدارسته له هذا الكتاب الكريم الذي يحث على المكارم والجود، ولا شك أنّ المخالطة تؤثّر وتورّث أخلاقاً من المخالط". ولعل من أسباب جوده (ص) في هذا الشهر العظيم هو سروره بالقرآن حين يقرأه هو وجبريل كاملاً، وإذا سُرَّ المرء فإنّه يجود، فكيف بسيد الأجواد (ص)، فينبغي على المرء أن يجود في رمضان حين تعظم علاقته بكتاب الله تعالى قراءة وتدبراً وفهماً وحفظاً، وينبغي أيضاً أن يعظم جوده حين يقرأ آيات الإنفاق في القرآن الكريم في هذا الشهر العظيم، فما الفائدة إن قرأ المرء آيات الإنفاق ألف مرّة ثمّ لا يكاد يلتفت إلى تطبيقها وجعلها واقعاً في حياته وأسلوباً لمعيشته، فإن لم يصنع فلبئس قارئ القرآن هو..
وأورد ابن رجب – يرحمه الله تعالى – أسباباً لعظم أجر وفضل الصدقة في رمضان، وخلاصة ما قاله – يرحمه الله تعالى – هو:
1- الله تعالى يعتق الناس في رمضان ويجود عليهم ويرحمهم، والله يرحم من عباده الرحماء، فمن رحم الناس وجاد عليهم فالله يجود عليه ويرحمه.
2- الجمع بين الصدقة والصيام من أسباب دخول أعلى الجنة، كما قال النبي (ص): "إنّ في الجنة غرفاً يُرى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها"، قالوا: لمن هي يا رسول الله؟ قال: "لمن طيَّب الكلام، وأطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلى بالليل والناس نيام"، فلعل هذه الخصال تجتمع كلها في رمضان.
3- الجمع بين الصدقة والصيام أبلغ في تكفير الخطايا واتقاء جهنم والتباعد منها، فقد قال النبي (ص): "الصيام جُنّة"، وقال (ص): "اتقوا النار ولو بشق تمرة".
4- الصدقة تجبُر ما قد يلحق الصيام من نقص أو تقصير أو خلل، وذلك نحو زكاة الفطر الواجبة، والصدقات التطوعية.
5- إذا أطعم الصائم الطعام في رمضان فهو له صدقة، وهو أيضاً شكر لنعمة الله – تبارك وتعالى – وهو إيثار بما لديه من مال وتذكر للفقراء والمساكين، فتكون هذه الصدقة محققة لفوائد كثيرة من فوائد الصيام وحكمه.
وأقول: الجمع بين الصيام والصدقة من الدلائل الواضحة على الإيمان، فالمرء قد يصوم لكنه لا يتصدق، إذ المرء مفطور على الشح والإستئثار بما يملك، فلو أخرج وأنفق كان ذلك دليلاً على إرادته التقرب من الله – تبارك وتعالى – وعلى تخلصه من الشح الملازم لأكثر الناس.
والتعود على الصدقة في رمضان سبيل لإعتيادها بعد ذلك في أشهر العام كلها، فيصبح المتصدق وقد أصبحت الصدقة سجية له وطبعاً، وهذا من أعظم أهداف الشارع ومقاصده، والله الموفق.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق