◄- الظلم:
الظلم لغة: وضع الشيء في غير موضعه، فالشرك ظلم عظيم، لجعله موضع التوحيد عند المشركين.
وعرفاً هو: بخس الحقّ، والاعتداء على الآخرين، قولاً أو عملاً، كالسباب، والاغتياب، ومصادرة المال، واجترام الضرب أو القتل، ونحو ذلك من صور الظلامات المادية أو المعنوية.
- أنواع الظلم:
يتنوّع الظلم صوراً نُشير إليها إشارة لامحة:
1- أوّل ما يتبادر إلى الذهن من أنواع الظلم هو ظلم الآخرين، سواء الظلم الفردي أو الاجتماعي، كأن يظلم الإنسان صديقه أو قريبه أو عائلته وأرحامه، أو كأن تظلم جماعة جماعة أخرى، أو كأن يظلم حاكم رعيّته، أو رئيس مرؤوسيه.
وأبشع المظالم الاجتماعية، ظلم الضعفاء، الذين لا يستطيعون صدّ العدوان عنهم، ولا يملكون إلّا الشكاة والضراعة إلى العادل الرحيم في أساهم وظلاماتهم.
فعن الباقر (ع) قال: لمّا حضر عليّ بن الحسين (ع) الوفاة، ضمّني إلى صدره، ثمّ قال: "يا بُنيّ أُوصيك بما أوصاني به أبي حين حضرته الوفاة، وبما ذكر أنّ أباه أوصاه، قال: يا بُنيّ إياك وظلم مَن لا يجد عليك ناصراً إلّا الله تعالى".
2- ظلم الإنسان نفسه: وهناك نوع من الظلم لا يلتفت إليه الكثير من الناس، وهو ظلم النفس، حيث يحسب الكثير منهم أنّهم أحرار تجاه ذواتهم، فيُسيئون إليها بأن يضعوها في المواضع التي يُرِد الله لهم أن يضعوها فيه، وأن يبخسوا حقّها، ويعتدوا عليها.
وبكلمة مختصرة ظلم النفس يتحصّل بعصيان الله وعدم طاعته.
(وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) (الشمس/ 7-10).
قال تعالى: (وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا) (الطلاق/ 1).
وعن أمير المؤمنين (ع) قال: "ظلم نفسه مَن عصى الله وأطاع الشيطان".
قال الإمام الصادق (ع): "كتبَ رجل إلى أبي ذرّ – رضي الله عنه –: يا أبا ذرّ! أطرفني بشيء من العلم. فكتب إليه: إنّ العلم كثير ولكن إن قدرت أن لا تُسيء إلى من تُحبُّه فافعل. قال: فقال له الرجل: وهل رأيت أحداً يُسيء إلى مَن يُحبُّه؟! فقال له: نعم، نفسك أحبُّ الأنفس إليك، فإذا أنت عصيت الله فقد أسأت إليها".
ومَن يظلم نفسه التي هي أحبّ إليه من أيِّ شيء سيظلم غيره، يقول الأمير (ع): "كيف يعدل في غيره مَن يظلم نفسه؟!".
"عجبت لمَن يظلم نفسه كيف يُنصف غيره؟!".
"مَن ظلم نفسه كان لغيره أظلم".
هذا وظلم النفس قد يغفره الله إذا اعترف الإنسان بذنبه وتاب إلى ربّه توبة نصوح، وهذا ما أكّد عليه النصّ القرآنيّ: (قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (القصص/ 16).
ولكنّ ظلم الآخرين أكثر تعقيداً
يقول رسول الله (ص): "الدواوين عند الله ثلاثة: ديوان لا يعبأ الله به شيئاً، وديوان لا يترك الله منه شيئاً، وديوان لا يغفره الله. فأمّا الديوان الذي لا يغفره الله فالشرك، قال الله تعالى: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ) (المائدة/ 72). وأمّا الديوان الذي لا يعبأ الله به شيئاً فظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربّه، من صوم يوم تركه، أو صلاة تركها، فإنّ الله يغفر ذلك ويتجاوز إن شاء الله. وأما الديوان الذي لا يترك الله منه شيئاً فظلم العباد بعضهم بعضاً، القصاص لا محالة". ومن هنا كان من الحسن أن نعفو عمّن ظلمنا، لأنّنا إن لم نعفُ عنه، ابتعدنا عن رحمة الله، فكما تطلبون العفو من الله عن ظلم أنفسكم فاعفوا عن الناس عسى أن يغفر الله لكم.
"اللّهمّ إنّك أنزلت في كتابك العفو، وأمرتنا أن نعفو عمّن ظلمنا، وقد ظلمنا أنفسنا، فاعفُ عنّا، فإنّك أولى بذلك منّا..".
- العفو والمغفرة:
إنّ الله جلّ جلاله واسع الرحمة والمغفرة، كما وصف ذاته المقدّسة في محكم كتابه الكريم: (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا) (النساء/ 43).
ونحن عبيده التائهين في ظلمات الدنيا لسنا بغنى عن عفوه ومغفرته الواسعة، يقول أمير المؤمنين (ع) – في كتابه للأشتر لما ولّاه مصر –: "ولا تنصبنّ نفسك لحرب الله، فإنّه لا يدلّك بنقمته، ولا غنى بك عن عفوه ورحمته".
وعنه (ع) – في المناجاة –: "إلهي أفكّر في عفوك فتهون عليَّ خطيئتي، ثمّ أذكر العظيم من أخذك فتعظم عليَّ بليّتي".
ولكن نحن عبيده المتجرِّئون على معصيته في حضرة قدسه، نرى خيره إلينا نازلاً وشرّنا إليه صاعداً، فهو يُقبل علينا بالعفو والمغفرة، ونحن نعصيه بل نزاد عصياناً، وكأنّنا لا نعلم بأنّ المغفرة الإلهيّة تتنزّل على مَن اجتنب الذنوب والمعاصي، يقول أمير المؤمنين (ع): "مَن تنزّه عن حُرمات الله سارع إليه عفو الله"، وعنه (ع): "وكن لله مطيعاً، وبذكره آنساً، وتمثّل في حال تولّيك عنه إقباله عليك، يدعوك إلى عفوه، ويتغمّدك بفضله، وأنت متولٍّ عنه إلى غيره. !"
فحقّاً يا إلهيّ وسيّدي ومولاي.. أنت وصفك أمير البلاغة (ع): "فإن عفوت فمَن أولى منك بذلك؟ وإن عذّبت فمن أعدل منك في الحُكم".
لذا دعونا نرفع أكفّنا ونتوجّه بقلب خاشع خائف مُنكسر مُتذلّل، وبعين باكية راجية رحمة الله ومغفرته، وبلسان صدق يُردِّد مناجاة أمير المؤمنين (ع): "إلهي جودك بسط أملي، وعفوك أفضل من عملي... إلهي إن أخذتني بجرمي أخذتك بعفوك، وإن أخذتني بذنوبي أخذتك بمغفرتك... فلا تجعلني ممّن صرفت عنه وجهك، وحجبه سهوه عن عفوك".
- الصفح الجميل:
أن تتّصف بصفات الله جلّ جلاله وبأخلاق بيت النبوّة (ع)، فهو الجميل بعينه، والله تبارك وتعالى قد حثّنا على أن نكون من أهل الصفح الجميل عمّن ظلمنا وأساء إلينا، قال سبحانه: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) (الحجر/ 85).
يقول الإمام زين العابدين (ع) - في قوله تعالى: (فَاصْفَحِ...) -: "العفو من غير عتاب"، وورد عن الإمام الصادق (ع): "إنّا أهل بيت مروّتنا العفو عمّن ظلمنا".
وهذا أمير المؤمنين (ع) يوصينا قائلاً: "كن جميل العفو إذا قدرت، عاملاً بالعدل إذا ملكت"، وكذلك يوصينا الإمام الصادق (ع): "اعف عمّن ظلمك كما إنّك تُحبّ أن يُعفى عنك، فاعتبر بعفو الله عنك".
إذاً تُعتبر صفة العفو والصفح الجميل من أجمل مكارم الأخلاق التي يتخلّق بها المؤمن في الدنيا والآخرة، بل هي تاج المكارم كما يُعبِّر الإمام عليّ (ع): "العفو تاج المكارم"، وعن الإمام الصادق (ع) يقول: "ثلاث من مكارم الدنيا والآخرة: تعفو عمّن ظلمك، وتصل من قطعك، وتحلُم إذا جُهِل عليك".
- مقام العافين عن الناس عند الله:
أن نكون من أهل العفو يعني أنّنا قد اتّصفنا بصفة أحبّها الله تعالى كما يقول رسول الرحمة (ص): "إنّ عفوّ يُحبُّ العفو".
إضافة إلى أنّنا سنكون من المحسنين الذين أيضاً أحبّهم الله تعالى: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (آل عمران/ 134)، وعنه (ص) قال: "رأيت ليلة أُسري بي قصوراً مستوية مُشرفة على الجنة. فقلت: يا جبرائيل لمن هذا؟ فقال: للكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يُحبُّ المحسنين".
فهنيئاً لمن فاز بهذا المقام، وهنيئاً لمن سيفوز بأجر الله تعالى الذي وعد به في محكم كتابه العزيز: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (الشورى/ 40).
قال رسول الله (ص): "إذا أُوقِف العباد نادى منادٍ: ليقم من أجرُه على الله وليدخل الجنة، قيل: من ذا الذي أجرُه على الله؟ قال: العافون عن الناس".
وعن الإمام عليّ (ع) قال: "شيئان لا يوزن ثوابهما: العفو والعدل".
كما إنّ من آثار وبركات التخلُّق بصفة العفو، أمور عدّة منها:
1- إنّ عفو الناس بعضهم عن بعض يُزيل الضغائن والأحقاد فيما بينهم، قال رسول الله (ص): "تعافوا تسقط الضغائن بينكم".
2- إنّ اتّصاف المؤمن بصفة العفو يزيده عزّاً كما قال رسول الله (ص): "عليكم بالعفو، فإنّ العفو لا يزيد العبد إلّا عزّاً، فتعافوا يُعزّكم الله". ولا تحسبوا أنّ العفو عن الآخرين فيه ذلٌّ لكم.
3- إنّ كثرة العفو والصفح الجميل عمَّن ظلمنا يزيد في العمر، قال نبيُّ الرحمة (ص): "مَن كثُر عفوه مُدّ في عمره".
في المقابل قد حذّرنا أهل البيت من عقبات عدم اتّصافنا بصفة العفو، فعن الأمير (ع): "قلّة العفو أقبح العيوب، والتسرُّع إلى الانتقام أعظم الذنوب". وعنه (ع): "شرُّ الناس مَن لا يعفو عن الزلّة، ولا يستر العورة".
نعم، هناك أناس لا ينبغي أن نعفو عنهم، وهم الذين يزيدهم العفو سوءاً أو تكبّراً وقد أشارت روايات أهل البيت (ع) إلى نماذج من هؤلاء، فعن الإمام عليّ (ع) قال: "العفو يُفسد من اللئيم بقدر إصلاحه من الكريم".
وعنه (ع): "جازِ بالحسنة وتجاوز عن السيِّئة ما لم يكن ثلماً في الدين أو وهناً في سلطان الإسلام".
وعن الإمام زين العابدين (ع): "حقُّ مَن أساءك أن تعفو عنه، وإن علمت أنّ العفو عنه يضرّ انتصرت، قال الله تبارك وتعالى: (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ) (الشورى/ 41).
- فضيلة الإحسان:
لقد أمرنا المولى عزّوجلّ أن نكون من المحسنين ومن أهل الإحسان، وهو القائل: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل/ 90)، والقائل: (وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (القصص/ 77).
كما إنّ أهل البيت (ع) قد حضّوا محبّيهم على التخلُّق بصفة الإحسان إلى مَن أساء إليهم وظلمهم، قال رسول الله (ص): "ألا أُخبركم بخير خلائق الدنيا والآخرة؟ العفو عمّا ظلمك. وتصل من قطعك. والإحسان إلى مَن أساء إليك. وإعطاء مَن حرمك".
وعن الإمام عليّ (ع): "لا منقبة أفضل من الإحسان". وعنه (ع): "من كمال الإيمان مكافأة المسيء بالإحسان". وعنه (ع): "لو رأيتم الإحسان شخصاً لرأيتموه شكلاً جميلاً يفوق العالمين".
ولذا فإنّ مَن يمنع الإحسان فعاقبته وخيمة، قال الإمام عليّ (ع): "مَن كتم الإحسان عوقب بالحرمان"، إضافة إلى النهي عن المنّ على من نُحسن إليهم، قال الإمام عليّ (ع): "جمال الإحسان ترك الامتنان"، بل كمال الإحسان وجماله ترك المنّ به كما يقول الإمام عليّ (ع): "تمام الإحسان ترك المنّ به".
إذا كان كلُّ هذا الترغيب والترهيب حول فضيلة الإحسان، فإنّه لما فيه من أجر عظيم عند الله تعالى: (وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (هود/ 115)، وعن الإمام عليّ (ع) قال: "عليك بالإحسان، فإنّه أفضل زراعة، وأربح بضاعة"، وعنه (ع): "نِعَم زاد المعاد الإحسان إلى العباد".
هذا فضلاً عن أثر المنفعة للمؤمنين فيما بينهم وصلاح شؤونهم، وإشاعة المحبّة وروح الأخوّة بفضل إحسان بعضنا إلى بعض طبقاً لما أوصانا به المحسن جلَّ جلاله وأهل بيت الإحسان (ع).
قال أمير الإحسان والمحسنين الإمام عليّ (ع): "الإحسان محبّة"، وعنه (ع): "مَن كثُر إحسانه أحبّه إخوانه".
بل بالإحسان نملك قلوب المؤمنين كما قال أمير المؤمنين (ع): "بالإحسان تملك القلوب"، لذا فإنّ المحسن هو حيٌّ ولو نُقل إلى عالم الأموات، قال ابن أبي طالب (ع): "المحسن حيٌّ وإن نُقِل إلى منازل الأموات".
هذا وإنّ من عظمة الإسلام العزيز أنّ رحمته لم تقتصر على المؤمنين بالله جلَّ جلاله فقط، بل نعمة الإحسان وبركاتها تشمل حتى المشركين بالله تعالى كبرياؤه، وتسري إلى أعقاب أعقابه.
روي عن سلمان بن عامر الضبّيّ: قلت: "يا رسول الله! إنّ أبي كان يُقري الضيف، ويُكرم الجار، ويفي بالذّمة، ويُعطي في النائبة، فما ينفعه ذلك؟ قال (ص): مات مُشركاً؟ قلت: نعم. قال (ص): أما إنّها لا تنفعه، ولكنّها تكون في عقبه إنّهم لن يُخزوا أبداً، ولن يُذلّوا أبداً، ولن يفتقروا أبداً".
وهذا ما أشار إليه الإمام الكاظم (ع) – في قوله تعالى: (هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ) (الرحمن/ 60) –: "جرت في المؤمن والكافر والبرّ والفاجر، مَن صنع إليه معروف فعليه أن يُكافئ به، وليست المكافأة أن تصنع كما صنع حتى ترى فضلك، فإن صنعت كما صنع فله الفضل بالابتداء".
- هل قابلنا إحسان الله بالإحسان؟
إنّ من أسماء المولى عزّوجلّ (المحسن)؛ وإحسانه يشمل مخلوقاته جميعاً لا سيّما أشرفهم وأكرمهم في الخليقة وهم البشر؛ حيث أنعم عليهم بالخير والبركات وجعل كلَّ الكائنات في خدمتهم.
ولكن نحن عبيده هل قابلنا هذا الإحسان بالإحسان كما أمرنا الله تعالى في محكم كتابه: (هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ)، أم إنّنا قابلناه بالذنوب والمعاصي والسيِّئات؟! ألا نستحي من أنفسنا أن نُكافئ المحسن بجزيل النعم بالإساءة وبالإعمال القبيحة الصادرة عنّا؟
قال أمير المؤمنين (ع): "عادة اللئام المكافأة بالقبيح عن الإحسان"، وعنه (ع): "شرُّ الناس من كافأ على الجميل بالقبيح".
هل نحن من اللئام؟! وهل نحن من شرِّ الناس؟!.
فلنقف مع أنفسنا ولو قليلاً ونُحاسبها ونسألها إلى أين نحن ذاهبون؟! وكيف لنا أن نردَّ الجميل ونُقابل الإحسان بالإحسان؟
لكي نعرف الجواب الصائب ونسلك الطريق الصحيح، علينا أن نعود إلى منبع الحكمة والهدى..
روى عمر بن يزيد قال: سمعت أبا عبدالله الصادق (ع) يقول: "إذا أحسن المؤمن عمله ضاعف الله عمله بكلِّ حسنة سبعمائة... فقلت له: وما الإحسان؟ قال: فقال (ع): إذا صلّيت فأحسن ركوعك وسجودك، وإذا صمت فتوقّ كلَّ ما فيه فساد صومك... وكلّ عمل تعمله لله فليكن نقيّاً من الدنس".
وروي أنّ النبيّ (ص) سُئل عن الإحسان، فقال (ص): "أن تعبد الله كأنّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك".
إذاً، لكي نكون من المحسنين لابدّ أن نأتي بأعمالنا على وجه حسن؛ أي الإخلاص لله وحده وطاعته، قال تعالى: (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة/ 112).
وبالنتيجة: إنّ الله سبحانه في غنىً عنّا ونحن الفقراء إليه، أليس هو القائل: (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا) (الإسراء/ 7)، (وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) (العنكبوت/ 6)؟!
ويقول أمير المحسنين الإمام عليّ (ع): "إنّك إن أحسنت فنفسك تُكرم، وإليها تُحسن، إنّك إن أسأت فنفسك تمتهن وإياها تغبن؟!".
- مقام المحسن عند الله:
إنّ الله سبحانه يُحبُّ المحسنين: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (البقرة/ 195)، بل (إِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (العنكبوت/ 69)، وإنّ رحمته قريبة منهم: (إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (الأعراف/ 56).
أمّا جزاء المحسنين فالله تبارك وتعالى قد تكفّل به: (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ) (النحل/ 30)، (قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (الزمر/ 10) ►.
المصدر: كتاب مظاهر الرحمة
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق