• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الصلاة.. نعمة الله على عباده

أ. د. سليمان الصادق

الصلاة.. نعمة الله على عباده
◄إنّ الصلاة نعمة كبرى من نعم الله تعالى على عباده المؤمنين، فهم يعظمون شأن هذه النعمة، ويقدرونها ويحفلون بها ويهتمون ويغتمون لها، وهي في بؤره شعورهم وفي سويداء قلوبهم، يرقبون أوقاتها في جميع أحوالهم، وينظمون حركتهم بناءً على هذه الأوقات، وغير المؤمنين من المسلمين يختلفون في موقفهم من الصلاة: فمنهم النشط، ومنهم المتوسط، ومنهم المتكاسل، وذلك بناءً على فهمهم لصفاتهم ولصفات ربّهم سبحانه وتعالى، وصِلاتهم بربهم مؤسَّسة على أساس فهم هذه الصفات. فالصِلات مبناها على معرفة الصفات. والإنسان إنما يقترب من غيره من الناس أو يبتعد بناءً على معرفته بصفاتهم التي على ضوئها يدرك أنّه في حاجة إليهم فيكون وصله لهم وإقباله عليهم، أو إنّه ليس في حاجة إليهم فيكون ابتعاده منهم أو إعراضه عنهم.

والإنسان من حيث هو إنسان يبحث دائماً عن مصلحته وهو في هذا الأمر ذكي يقظ، وهذه فطرة فيه، والله تعالى راعى هذه الفطرة في بني الإنسان فجاءت التكاليف في الإسلام بالفعل لما أحل الله، أو الترك لما حرم مشمولة بالأجر العظيم، والعطاء العميم، والثواب الجزيل من الله تعالى لمن امتثل هذه التكاليف حتى يقبل المكلفون عليها بحماس وامتثال.

 

الصلاة ميدان العطاء الإلهي:

والصلاة هي الصِلة بين العبد وربّه، وهي صِلة تدل على فهم وعقل العبد لشأنه ومكانه، وأنّه عبد لا قيمة له من دون سيده، فكما أنّ العبد محتاج إلى سيده من الناس في كلّ أموره، فكذلك هذا العبد المصلي هو محتاج لربّه سبحانه في كلّ شيء لأنّ ربّه يملك كلّ شيء وهو (أي العبد المصلي) فقير في كلّ شيء.

وفي الصلاة ينال هذا العبد من ربّه سبحانه الخيرات والعطايا والهبات، ويفاض عليه من رحمة الله وفضله ما يكون سبباً لجبر كسره، وستر عواره، وإصلاح خلله، وشفاء مرضه، ومعافاة بلائه، وسد فقره، وجمع متفرقه، ولَمّ شعثه، وتسكين حيرته، وإذهاب شروره، وتطهير قلبه، وتزكية نفسه، ورفعة منزلته، ونصره، وتأييده، وإنزال السكينة عليه، وإذهاب وحشته، ووساوسه وشروره كلّها، وبالجملة يكون صلاح أمره ظاهراً وباطناً. وعلى قدر تنوّر القلب بالإيمان يكون إدراك ثمرة وفائدة وأثر الصلاة في الظاهر والباطن.

وسيدنا رسول الله (ص) يقول: "وجُعِلَتْ قُرّةُ عيني في الصَّلاةِ" الحديث.

وهو بيان نبوي كريم ينوه بأهمية وشأن وأثر الصلاة وما تحدثه في حياة صاحبها من أسرار وخيرات وبركات لا يحيط بها إلّا الله تعالى.

 

التهاون في الصلاة دليل الجهل بالله تعالى وبحقيقة الإنسان:

ولذلك فإنّنا يمكن أن نؤسس – بناء على ما تقدم – القول بأنّنا إذا رأينا إنساناً مسلماً يتهاون في إقامة الصلاة فإنّنا ندرك أنّ ذلك التهاون منه ناتج عن جهله بربّه تعالى وبصفاته العلى وبأسمائه الحسنى، وناتج في ذات الوقت عن جهله بمعرفة حقيقته هو كإنسان خُلق لغاية لا يصلح إلّا بأدائها، ألا وهي العبودية لله تعالى، والصلاة هي المظهر العملي اليومي لهذه العبودية، ولذلك فإنّ حاجة عباد الله المؤمنين إلى الصلاة كحاجة السمك إلى الماء، وحاجة الإنسان إلى الغذاء والهواء.

فكلّ صلاة هي توبة، وما بين الصلاتين غفلة وجفوة، وزلات، وخطايا، فبالغفلة يبعد (أي العبد) من ربّه، فإذا بعد أشر وبطر، لأنّه يفتقد الخشية والخوف، وبالجفوة يصير أجنبيّاً، وبالزلة يسقط وينزلق قدمه فتنكسر، وبالخطايا يخرج من المأمن فيأسره العدو. فأفعال الصلاة مختلفة على اختلاف الأحوال التي جاءت من العبد، فبالوقوف يخرج من الإباق لأنه لما انتشرنت جوارحه نقصت تلك العبودية، وأبق من ربّه، فإذا وقف بين يديه فقد جمعها من الانتشار ووقف للعبودية فخرج من الإباق، وبالتوجه إلى القبلة يخرج من التولي والإعراض، وبالتكبير يخرج من الكبر، وبالثناء يخرج من الغفلة، وبالتلاوة يجدد تسليماً للنفس وقبولاً للعهد، وبالركوع يخرج من الجفاء، وبالسجود يخرج من الذنب، وبالانتصاب للتشهد يخرج من الخسران وبالسلام يخرج من الخطر العظيم.

فالصلاة هي واحة المؤمن وخندقه، ومعقله ومفزعه ومأمنه، ومكان صعود عمله، ومكانه في الصلاة هو خير مكان له فوق الأرض، وهو المكان الذي يبكي عليه عند وفاته، ويشهد له يوم القيامة.

ولقد كانت عناية القرآن الكريم بأمر الصلاة عناية بالغة تمثلت في ذلك الحشد الهائل من الآيات الكريمة التي ورد فيها ذكر الصلاة في مواضع قاربت مائة موضع فهي أهم ركن في الإسلام بعد الشهادتين، بل هي تجمع أركان الإسلام.►

 

المصدر: كتاب تأملات في فضل الصلاة ومكانتها في القرآن والسنّة

ارسال التعليق

Top