• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الصوم جُنّة من النار

عمار كاظم

الصوم جُنّة من النار

شهر رمضان المبارك الذي جعل الله تعالى ساعاته أفضل الساعات، وأيّامه أفضل الأيّام، والمؤمن هو مَن يستقبله بكلِّ استعدادٍ روحي وأخلاقي، يجعل منه إنساناً منفتحاً ومتفاعلاً مع شؤون حياته الخاصّة والعامّة بكلِّ صِدقٍ ووعيٍ ومسؤولية أمام الله تعالى. یقول عزّوجلّ في كتابه الكريم: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (البقرة/ 185). وكما يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «الصوم جُنّة من النار».. فالصوم الذي يترك أثراً طيِّباً ونافعاً في النفس، هو الذي يحصِّن الإنسان روحياً وأخلاقياً، ويحول بينه وبين اقتراف الذنوب والمعاصي، ويقوّي من إيمانه وعزيمته وإرادته وإخلاصه. رَوَى الإمام محمّد بن علي الباقر (علیه السلام)، أنّ رسول اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لجابر بن عبدالله: «يا جابرُ، هذا شهرُ رمضانَ، مَن صامَ نهارَهُ، وقَامَ وِرداً من لَيلِهِ، وعَفَّ بَطنُهُ وفَرجُهُ، وكَفَّ لسانَهُ، خَرَجَ من ذنوبِهِ كخُرُوجِهِ من الشهرِ». فقال جابرٌ: يا رسولَ الله، ما أحسن هذا الحديث! فقال رسولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «يا جابرُ، وما أشدَّ هذه الشروط!».

لقد جعل الله تعالى للشهر الفضيل حُرمة وقداسة ومنزلة رفيعة، مليئة بكلّ ما ينفع الإنسان في توجّهه لخالقه، وسؤاله إيّاه، والتزام طاعته، وإفادته من هذه الطاعة بما يصلح شؤونه. ويكفي لهذا الشهر ميزة، أن أنزل فيه القرآن الذي هو دستور الحياة كلّها، وعظمة هذا الشهر تفترض منّا أن نكون على قدر مستواها، وأن نسعى لنحصل منها على ما يسمو بنا ويطهّرنا من أدراننا. وأن نستغلّ كلّ دقيقة من شهر رمضان في الدُّعاء والتقرّب من الله، أن يكون دعاؤنا نابعاً من قلب مؤمن سليم. ولذلك، جعل الله هذه الثلاثين يوماً فترة تدريبية في حضرته، أي أنّ الله يراقبك وأنت تتدرّب، والذي يتدرّب أمام الله، وخصوصاً في الجانب الداخلي، فمن الطبيعي أن تدريبه يجب أن يكون مركّزاً، ولابدّ من أن يشعر الإنسان بالنجاح فيه، ولا سيّما إذا عرف أنّ دور الصوم مستقبلي، وليس دوراً يتحرّك في الحاضر فقط. جاء في الحديث: «الصومُ لي وأنا أجزي به»، ذلك أنّ الصوم لا يتحقّق الرياء به إلّا إذا نطق به الإنسان، لماذا؟ لأنّ الصوم هو حركة حرمان الجسد من خلال الحالة الروحية الموجودة في الداخل.

فليجعل الصائمون من صيامهم جُنّةً من النار، وطهارةً لهم من كلِّ زيغٍ وزيفٍ ونفاقٍ ورياءٍ وعصبيةٍ وجهل وتخلّف؛ هذه الطهارة التي تعطي الدافع والحافز والقوّة ليتماسك إيمان المرء، ويخلص وجهه لله تعالى وحده، ويعتق رقبته من عبادة المال والأشخاص والشهوات والدنيَّات التي تصغِّر نفسه وترهقها وتسقطها، هذه الطهارة التي تقوّي وحدتنا وتبعدها عن الانقسام والتمزّق، وتدعونا إلى الاعتصام بحبل الله المتين. إنّ إصلاح ذات بيننا، وتعزيز وحدتنا المفقودة في الواقع، وتربية نفوسنا على عمل الصالحات وعلى فعل الخيرات، والابتعاد عن كلّ السلوكيات المنحرفة التي تخالف حدود الله وتعاليمه، من الأُمور التي ينبغي الالتفات إليها، والتنبّه إلى أهميّتها في تقوية واقعنا. یقول تعالی: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات/ 13). وليكن دعاؤنا الدائم، أن يغفر الله لنا ما تقدَّم من ذنوبنا وما تأخَّر، وأن يعيننا بالابتعاد عن المعاصي والذنوب التي تثقل كواهلنا، وتسيء إلى مصيرنا في الآخرة.

ارسال التعليق

Top