• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الصيام يكافح شيخوخة الأمعاء

الصيام يكافح شيخوخة الأمعاء

باحثون يكتشفون أنّ الصيام لمدّة 24 ساعة يجدّد الخلايا الجذعية المعوية في الفئران المسنّة والشابة على حدٍّ سواء، فالصيام يكافح شيخوخة الأمعاء مع تقدُّم العمر، حيث تفقد الخلايا الجذعية المعوية قدرتها على التجدُّد، ويمكن لهذا التراجع أن يزيد من صعوبة الشفاء من التهابات الجهاز الهضمي أو الحالات المرضية الأُخرى التي تؤثّر على الأمعاء.

وتُعَدّ الخلايا الجذعية المعوية مسؤولةً عن الحفاظ على بطانة الأمعاء، والتي عادةً ما تجدِّد نفسها كلّ 5 أيّام، وعند حدوث الإصابة، تكون المفتاح لإصلاح أي ضرر يحدث، لكن مع تقدُّم الإنسان فى العمر، تنخفض القدرات التجديدية لهذه الخلايا الجذعية المعوية، لذلك يستغرق الأمر مدّةً أطول حتى تتعافى الأمعاء عند الكبر.

وخلال عقود مضت، عرف العلماء أن تناول السعرات الحرارية المنخفضة يرتبط مع طول العمر في البشر والكائنات الحيّة الأُخرى، لكن فريق البحث ركّز على استكشاف تأثيرات الصيام على المستوى الجزيئي للخلايا، وخاصّةً في الأمعاء. واكتشف العلماء في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بالولايات المتحدة، أنّ الصيام على مدار 24 ساعة، يمكن أن يحسِّن من قدرة الخلايا الجذعية على التجدُّد، وخاصّةً وظائف الخلايا المعوية المرتبطة بالتقدُّم في العمر.

وفي الدراسة التي أُجريت على الفئران، ونُشرت تفاصيلها في دورية (Cell) العلمية، اكتشف الباحثون أنّ الصيام يعمل، بشكل كبير، على تحسين قدرة الخلايا الجذعية على التجدُّد بين الفئران المسنّة والشابة على حدٍّ سواء، ففي الصيام، تبدأ الخلايا في تكسير الأحماض الدهنية بدلاً من الجلوكوز، وهو تغيير يحفّز الخلايا الجذعية لتصبح أكثر تجدُّداً بين فئران التجارب.

وتوصل الباحثون إلى أنّه يمكنهم أيضاً تعزيز تجدُّد الخلايا باستخدام جزيء ينشِّط التحوُّل الأيضي، واعتبروا أنّ مثل هذا التدخل قد يساعد كبار السن على التعافي من الإصابات المعوية في الجهاز الهضمي، أو مرضى السرطان الذين يخضعون للعلاج الكيميائي.

تجدُّد الخلايا

قائد فريق البحث «عمر يلماز» - أُستاذ علم الأحياء المساعد في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وأحد أعضاء هيئة التدريس بمعهد ديفيد كوخ لأبحاث السرطان التكاملية، في جامعة ماساتشوستس - قال: «للصيام آثار إيجابية كبيرة على الأمعاء، تشمل زيادة آلية تجديد الخلايا الجذعية ومكافحة الأمراض التي من شأنها التأثير على الأمعاء، في مقدّمتها الالتهابات والعدوى والسرطانات».

وأضاف في حديث لـ«العلم» أنّ «فهم كيفية تحسين الصيام للصحّة العامّة، بما في ذلك دوره في تجدُّد خلايا الأمعاء الجذعية، وإصلاحها من التلف، ومكافحة آثار الشيخوخة، هو أحد الاهتمامات الأساسية للدراسة».

وأوضح أنّ «هذه الدراسة قدّمت دليلًا على أنّ الصيام يحثّ على التحوُّل الأيضي في الخلايا الجذعية المعوية، من استخدام الكربوهيدرات إلى حرق الدهون».

وأشار إلى أنّه «من المثير للاهتمام، أنّ تحويل هذه الخلايا إلى أكسدة الأحماض الدهنية عزَّز وظيفتها بشكل كبير، وقد يوفِّر الاستهداف الدوائي لهذا المسار فرصةً علاجيةً لتحسين توازن الأنسجة في الأمراض المرتبطة بالعمر».

التحوّل الأيضي

وبعد فترة صيام الفئران لمدة 24 ساعة، قام الباحثون بإزالة الخلايا الجذعية المعوية وإنمائها فى المختبر، ما سمح لهم بتحديد ما إذا كانت الخلايا يمكن أن تتطوّر إلى «أمعاء دقيقة»، والمعروفة باسم «العضيات» organoids أم لا، ووجد الباحثون أنّ الخلايا الجذعية من الفئران التي صامت لمدة 24 ساعة تضاعفت قدرتها على التجدُّد.

كما تتبَّع الفريق الحمض النووي الريبوزي المرسل إلى الخلايا الجذعية من الفئران التي صامت، وكشف أنّ الصوم حرَّض الخلايا على التحوُّل من عملية الأيض المعتادة - التي تحرق الكربوهيدرات مثل السكريات - إلى حرق الأحماض الدهنية. ويحدث هذا التحوّل من خلال تفعيل عوامل النسخ المسماة (PPARs)، التي تحوِّل العديد من الجينات التي تشارك فى تمثيل الأحماض الدهنية.

ووجد الباحثون أنّه إذا أوقفوا هذا المسار، فإنّ الصيام لم يعد قادراً على تعزيز التجدُّد، ويمكنهم إعادة إنتاج التأثيرات المفيدة للصيام من خلال علاج الفئران بجزيء يحاكي تأثيرات الـ(PPARs)، وكشف يلماز أنّ نتائج الدراسة تشير إلى أنّ العلاج بالعقاقير يمكنه أن يحفّز التجدُّد دون حاجة للمرضى للصيام، مشيراً إلى أنّ إحدى المجموعات التي يمكن أن تستفيد من مثل هذه المعالجة هي مرضى السرطان الذين يتلقون العلاج الكيميائي، والذي غالباً ما يؤذي الخلايا المعوية.

وأضاف أنّ هذا العلاج يمكن أن يفيد أيضاً كبار السن الذين يعانون من الالتهابات المعوية أو غيرها من الاضطرابات المعدية المعوية التي يمكن أن تتلف بطانة الأمعاء.

وعن خطواتهم المقبلة، أفاد «يلماز» بأنّ الفريق يخطّط لاستكشاف الفاعلية المحتملة لمثل هذه العلاجات، ويأمل أيضاً دراسة ما إذا كان الصيام يؤثّر على قدرات تجدُّد الخلايا الجذعية في أنواع أُخرى من الأنسجة غير الأنسجة المعوية.

الصيام في رمضان

«عبدالرحمن رجب» - أُستاذ التغذية وعلوم الأغذية بكلّية التربية النوعية بجامعة عين شمس - رأى أنّ فريق البحث توصل إلى نتائج جيِّدة جدّاً فيما يخص الخلايا الجذعية وإعادة تنشيطها بفعل الصيام، إذ إنّه يعطي فرصة لأجهزة الجسم المختلفة للتخلُّص من مخزون الجسم من الدهون، وحرقه بصورة طبيعية تحمي الجسم من أضرار تراكمه.

وأضاف - في حديث لـ«العلم» - أنّ الفريق توصل إلى نقطتين أساسيتين، أوّلاهما أنّ الصيام يعمل على إعادة تنشيط الخلايا الجذعية في جدار الأمعاء، والمسؤولة بصفة أساسية عن تجديد ما يتلف من خلايا بالجدار، وهي خلايا يطلق عليها «الخملات» المسؤولة عن الامتصاص بالدرجة الأولى، وأنّ أي خلل بها من الممكن أن يصيب الجسم بالأمراض الخطيرة، وعلى رأسها السرطان، خاصّة عند الشيخوخة، عندما تضعف قدرة هذه الخلايا على التجدُّد.

ووفق «رجب»، فإنّ النقطة الثانية هي أنّه عند الصيام تتحوّل خلايا الأمعاء من حرق الجلوكوز إلى حرق الدهون، ويحدث ذلك في خلايا الجسم بصفة عامّة وليس مقصوراً على خلايا الأمعاء، فقط تشعر بنقص الكربوهيدرات وبصفة خاصّة الجلوكوز نتيجة الصيام فتتحوّل بصورة تلقائية إلى حرق الأحماض الدهنية المخزنة بالجسم بدلاً من الجلوكوز للحصول على الطاقة، وأنّ هذا الجزء ليس بجديد، إذ تُعَدُّ الدهون البديل الطبيعي للجلوكوز فيما يُسمّى بعملية أكسدة الدهون أو «بيتا أوكسيديشن» (B- Oxidation)، وعلى الرغم من أنّه مسار بديل للحصول على الطاقة عند نقص الجلوكوز في الدم، إلّا أنّ له آثاراً جانبية هي تراكم ما يُسمّى بالأجسام الكيتونية التي تنتج في أثناء عملية أكسدة الأحماض الدهنية، وهو ما لم تتطرّق إليه الدراسة.

وعن فوائد الصيام في شهر رمضان، أفاد «رجب» بأنّ الصيام لما يزيد عن 17 ساعة يومياً يعمل على راحة الجهاز الهضمي، ما يساعد على إعادة تنشيطه مرّة أُخرى، وزيادة قدرته في عملية الهضم والامتصاص، ومن هنا يُعَدُّ شهر رمضان بمنزلة عملية صيانة دورية سنوية لأجهزة الجسم المختلفة، وخاصّة الجهاز الهضمي.

وسلط «رجب» الضوء على الأمراض المصاحبة لعدم تجدُّد خلايا الأمعاء عند الكبر، ومنها سوء التغذية والامتصاص، إذ تفقد الخلايا قدرتها على الامتصاص، وبالتالي يُصاب الإنسان بسوء التغذية والهزال، خاصّةً عند كبار السن الذين يعانون من ضعف البنية وسقوط الأسنان والنسيان وما يسمى بأمراض الشيخوخة، وكلّ هذا نتيجة نقص العناصر الغذائية المختلفة من فيتامينات أو أملاح معدنية على الرغم من تناول الإنسان الأغذية المتكاملة بهذه العناصر، لأنّ الجسم يفقد قدرته على الاستفادة منها.

 

* الكاتب: محمّد السيِّد علي 

ارسال التعليق

Top