نشرت مؤخراً دراسة لعالم نفسي أثبت فيها بأسلوب علمي أنّ الضحك هو أفضل علاج للتخلص من التوتر النفسي وتجنب الاضطراب التي تسببها الضغوط النفسية، وقبل ذلك أكدت دراسات أخرى أنّ الضحك يعالج الإجهاد، والآلام المختلفة، واضطرابات المعدة والقلب وأنّه البديل الناجح لأنواع العلاج والعقاقير المهدئة.
اضحك تضحك الدنيا معك:
إنّ الابتسام والضحك ينشر الإحساس بالسعادة والبهجة لدى الإنسان وكلّ المحيطين به والذين يتعامل معه، كما إنّ تعبيرات العبوس والكآبة والصرامة الزائدة يمكن أن يتأثر بها الشخص نفسه والآخرون من حوله، وقد ثبت أنّ المشاعر الإنسانية لها خاصية الانتقال فيما يشبه العدوى، فالناس عادة ما يتأثرون بمن حولهم.
إنّ مجرّد ابتسامة صادقة يمكن أن يكون لها أثر السحر على أي إنسان يعاني أو يتألّم، كما أنّ الضحك المشترك بين الناس يقوي التعارف ويشيع روح الألفة، ولا يتعارض ذلك هالة الاحترام التي يحاول أن يفرضها بعض الناس حين يحتفظون دائماً بمظهر الجد والصرامة، ومن الناحية النفسية والاجتماعية فإنّ الضحك عادة ما يعكس شعور الواحد منا براحة البال والثقة بالنفس، وهو دليل على القدرة وعلى مسايرة الحياة من حولنا، وهكذا قالوا قديماً: "اضحك تضحك الدنيا معك ومن حولك".
لماذا نضحك؟
نحن نضحك في الغالب لأنّنا سعداء أو مسرورون أو مبتهجون، لكن هناك أسباباً أخرى للضحك، فالضحك الاجتماعي يكون لمجاملة الآخرين، وفي اليابان يعتبر الناس الضحك واجباً اجتماعياً، وفي تراث العرب كان الضحك أحياناً في مواقف البلاء الشديد حيث قالوا: "شر البلية ما يضحك" وأحياناً يكون الضحك قناعاً لإخفاء الألم كما يبدو من عنوان الرواية الشهيرة لإحسان عبد القدوس "العذاب فوق شفاه تبتسم"، وهناك الضحك من بعض المفارقات الأليمة الذي يصفه المتنبي: "ولكنه ضحك كالبكاء، كما أنّ مرضى النفس أحياناً ما يطلقون ضحكات هيستيرية أو تحت تأثير الكحول والعقاقير أو حين يصابون بالمرض العقلي الذي يطلق عليه "لوثة المرح" الذي يتميز بحالة انشراح عامة.
وهناك مواقف أخرى تبعث على الضحك منها الدهشة عند حدوث مفاجأة ما، والضحك عند مشاهدة الفشل البسيط الذي يعنى به آخرون مثل الرجل الأنيق الذي يختال في بدلة جديدة ونراه يتزحلق ليسقط على الأرض فوق قشرة موز، كما يضحك الناس عند مشاهدة أو سماع موقف ينطوي على مفارقة أو نكتة مثلاً، كما يضحك الناس عادة عند الاشتراك في لعبة جماعية، أو استجابة لابتسامة أو ضحك شخض آخر.
فوائد بدنية ونفسية واجتماعية للضحك:
يمتد التأثير الإيجابي للضحك ليشمل الجسد والروح، فالوظائف الداخلية للإنسان تتحسن بصفة عامة حين يضحك فالضحك يزيد الأكسجين الذي يصل إلى الرئتين وينشط الدورة الدموية فيساعد على دفع الدم في الشرايين ويتولد لدى الإنسان إحساس بالدفء وهذا هو السبب في احمرار الوجه حين يضحك من قلبه وهذا يحدث في الابتسامة الصادقة الخالية من التكلف والرياء حيث تبدو على ملامح الوجه وتشع العيون بالبريق.
أما من الناحية النفسية فإنّ الضحك وسيلة صحية للهروب مؤقتاً من هموم الحياة المعتادة والتخلص من ضغوط الواقع الخارجي لكنه يظل تحت ضبط وسيطرة إرادة الإنسان، ويوصف الإنسان بأنّه حيوان "ضاحك" فالطفل الصغير يضحك قبل وقت طويل من قدرته على الكلام أو السير، والضحك هو أحد مباهج الحياة، كما أنّ الضحك يتضمن نشاطاً نفسياً فالمرء في موقف الدعابة يشعر بالسرور ينبعث من داخله حين يدرك ما يعنيه الموقف ثمّ يكون تعبيره بالضحك تلقائياً.
والضحك ظاهرة تجمع بين اللهو والحركة واللعب، حتى أنّه يوصف بأنّه تمرين رياضي وحين يقابلك صديق أو زميل بعد غياب طويل ويبادرك: "هل سمعت آخر نكتة؟" ثمّ بدأ لإلقاء ما عنده ويستغرق الجميع في الضحك فإنّ هذه الفكاهة تترك أثراً إيجابياً من الناحية النفسية والاجتماعية على مستوى الفرد والجماعة.
الضحك علاج نفسي فعّال:
الضحك دواء هام لرفع اليأس والتشاؤم، والترويح عن النفس، كما أنّه وسيلة ناجحة بدفع الملل الناتج عن حياة الجد والصرامة، وتنفيس جيِّد عن آلام الواقع فالإنسان حين يضحك فإنّه يقلل طاقة التحفز والانفعال في داخله ويؤكد لنفسه أنّ الحياة لا يجب أن تكون بهذه الجدية والخطورة والصرامة التي لا لزوم لها.
إنّ الذين يتمتعون بالحس الفكاهي والمرح يأتون في ترتيب متأخر في سلم الأشخاص المعرضين بالإصابة بالمرض النفسي فالفكاهة والمرح هي الحل التلقائي لمشكلة التوتر الذي يصيب الإنسان وما يلبث أن يمتلكه ويحطمه، كما ثبت علمياً أنّ من يتمتعون بالقدرة على المرح والفكاهة يعيشون عمراً أطول ويظلون في صحة جيدة مهما تقدم بهم السن نتيجة لنظرتهم الإيجابية للحياة وعدم الاستسلام للهموم.
اضحك مهما كان الأمر:
النصيحة الذهبية التي أود – كطبيب نفسي – أن أتوجه بها إلى الجميع هي ضرورة أن نبتسم للحياة في كلّ المواقف، بل أن يضحك الواحد منا حين يواجه الهموم، ابتعد – عزيزي القارئ – عن "النكد" لأنّه مأزق أسوء من الفقر والإفلاس وحاول أن تحتفظ بروح المرح والمشاعر الإيجابية نحو الحياة فهذا هو سر الشباب الدائم.
وعليك أن تتذكر إنّه من منظور ديننا الإسلامي فإنّ المرء عليه أن يلقى أخاه "بوجه طلق" كما يصف الحديث الشريف "تبسم المرء في وجه أخيه صدقة" وورد أنّ رسول الله (ص) كان أكثر الناس تبسّماً.
كلمة أخيرة... أعلم عزيزي القارئ أنّ الضحك هو أرخص وسائل العلاج النفسي وأكثرها فعالية ونجاحاً... وأنّه – أي الضحك – خير دواء.
الكاتب: د. لطفي الشربيني
المصدر: كتاب وداعاً أيها الاكتئاب
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق